الجنايات

ما يترتب على القتل الخطأ

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.

فالظاهر من السؤال أن هذا القتل وقع خطأ، حيث عرَّف الفقهاء القتل الخطأ بأنه ما صدر من الإنسان بفعل لم يقصده أصلا، أو قصد دون قصد الشخص المقتول. والقتل الخطأ يجب فيه حقان؛ حق لأولياء الدم ببذل الدية لهم على ما يحكم به القضاء؛ وحق لله تعالى بعتق رقبة؛ فمن لم يجد صام شهرين متتابعين؛ يقول تعالى {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} وكون القاتل قد هرب من مكان الحادث ولم يسعف المتوفى يرتِّب عليه مسئولية جنائية وشرعية، وقد كان عليه أن يتذكر قوله تعالى {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} وعليه فإن الجواب عن الأسئلة الواردة يكون:

أولاً: لا حق لكم في المطالبة بالقصاص لأن القتل خطأ وليس عمداً، والقصاص حق لأولياء الدم في القتل العمد العدوان

ثانياً: من حقكم المطالبة بعقوبة القاتل على هروبه وتركه إسعاف المتوفى، وإهماله مراعاة شعور أهله

ثالثاً: إذا حصل العفو عن الدية منكم فليس لكم أن تتراجعوا عنه وتطالبوا بها؛ بناء على القاعدة الفقهية (الساقط لا يعود) إلا إذا كان في المستحقين للدية من لا تمضي تصرفاته لصغر أو سفه فإن حقه يبقى ولا يسقط

رابعاً: عليكم – أحسن الله إليكم – إمضاء عفوكم رجاء ما عند الله من أجر وثواب؛ قال تعالى {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ} أي كفارة للعافي بصدقته على الجاني، وإن كانت الآية في القتل العمد؛ فهي في حال الخطأ من باب أولى؛ وقدوتكم في ذلك حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما؛ فإن أباه قتل يوم أحد بأيدي المسلمين خطأ؛ فوداه النبي صلى الله عليه وسلم؛ فتصدق حذيفة بديته على المسلمين. رواه الحاكم في المستدرك. خاصة إذا استصحبتم حال القاتل فلربما أصابته لوعة أو فجعته المصيبة فلم يحسن التصرف، وهذه أسباب داعية إلى التخفيف عنه والرأفة به، كما نوصيكم بالصبر على مصابكم، وقد قال الله تعالى في الحديث القدسي «ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا ثم احستبه إلا الجنة» رواه البخاري، والله الموفق والمستعان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى