الجنايات

تعطيل الحدود عام الرمادة

هل صحيح أنه تم تعطيل الحدود عام الرمادة؟ وما الدليل؟

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد

فلا يجوز تعطيل الحدود كما قال تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}. قال النحاس رحمه الله: “قوله جل وعز {ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله} قال مجاهد وعطاء والضحاك: أي في تعطيل الحدود. والمعنى على قولهم: لا ترحموهما فتتركوا حدهما إذا زنيا”. [معاني القرآن 4/495-496]. وقال محمد بن نصر المروزي رحمه الله: “الرأفة على وجهين: رأفة تدعو إلى تعطيل الحد وهي المنهي عنها، ورأفة تدعو إلى إقامة الحد عليهما شفقة عليهما من عذاب الآخرة فهذه غير منهي عنها، فالنبي صلى الله عليه وسلم قد كان بالمؤمنين رؤوفاً رحيما، وكانت رأفته بهم لا تحمله على تعطيل الحدود، فالرأفة التي تدعو إلى تعطيل الحد منهية عن النبي صلى الله عليه وسلم، والرأفة التي وجبت للمؤمنين بالإيمان هو موصوف بها ألا تراه كان يقيم الحدود عليهم مع ظهور شدة ذلك ومشقته عليه”. [تعظيم قدر الصلاة لمحمد بن نصر المروزي 2/169]. وقال ابن عاشور رحمه الله: “فإن تلك الرأفة تفضي بهما إلى أن يؤخذ منهما العقاب يوم القيامة فهي رأفة ضارة كرأفة ترك الدواء للمريض، فإن الحدود جوابر على ما تؤذن به أدلة الشريعة {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَآئِفَةٌ مِّنَ المؤمنين} فإن الإخفاء ذريعة للإنساء، فإذا لم يشهده المؤمنون فقد يتساءلون عن عدم إقامته فإذا تبين لهم إهماله فلا يعدم بينهم من يقوم بتغيير المنكر من تعطيل الحدود. وفيه فائدة أخرى: وهي أن من مقاصد الحدود مع عقوبة الجاني أن يرتدع غيره، وبحضور طائفة من المؤمنين يتعظ به الحاضرون ويزدجرون ويشيع الحديث فيه بنقل الحاضر إلى الغائب”. [التحرير والتنوير 9/430].

وأما عمر رضي الله عنه فلم يعطل الحدود وإنما درأ الحدود بالشبهات؛ لأن المجاعة شبهة، وقد قال القاسم بن سلام رحمه الله: “بلغ من نظره لهم أنه درأ القطع عن السراق في مثل هذا العام، فقال: لا قطع في عام سَنَة” (أي مجاعة). الأموال للقاسم بن سلام 3/276. وقال الباجي رحمه الله: “وَلَمْ يَقْطَعْهُمْ وَعَذَرَهُمْ بِالْجُوعِ، وَهَذَا مَعْلُومٌ مِنْ سِيرَةِ عُمَرَ فِي عَامِ الرَّمَادَةِ؛ فَإِنَّهُ لَمْ يَقْطَعْ سَارِقًا”. المنتقى شرح الموطأ للباجي 4/49.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى