كيف أتقن حفظ القرآن

السلام عليكم ورحمة الله فضيلة الشيخ عبد الحي يوسف
التحقت بمركز التحفيظ والحمد لله حفظت سورة البقرة ثم انتقلت إلى آل عمران وأتممتها والحمد لله، وها أنا أبدأ بحفظ سورة النساء إلا أني أشعر أن الحفظ قد ساء كثيراً بالرغم من أنني اجتزت الامتحانين بتفوق سؤالي كيف أحافظ على ما حفظت؟
كما أن هناك آيات بها الكثير من التشابه بين السورتين كيف أفرق بينهما؟
وهل أنتقل إلى النساء أم أتأنى حتى أتأكد من رسوخ السورتين في ذاكرتي أولا؟
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أما بعد.
فبداية أذكر نفسي وإياك بحكمة يقول صاحبها:
لا يبلغ المجد إلا سيد فطن لما يشق على السادات فعال
لولا المشقة ساد الناس كلهم الجود يفقر والإقدام قتال
وقول الآخر: لا تحسب المجد تمراً أنت آكله لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبرا. ومرادي من إيراد هذه الكلمات تذكير نفسي والسائل الكريم بأن لطلب العلم مشقة؛ فلا بد له من بذل الجهد وتفريغ الوقت واستفراغ الوسع، مع الاستعانة بالله عز وجل واللجوء إليه وقرع أبوابه جل جلاله؛ وقد قيل للسيد الجليل عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: كيف بلغت ما بلغت من العلم؟ قال: بلسان سئول وقلب عقول، ذللت طالباً فعززت مطلوبا. وخير العلم كلام الله عز وجل ففيه خير الدنيا والآخرة، فاجتهد أحسن الله إليك في حفظ ما تيسر منه، ولعل الله يعينك على ختمه كله حفظاً واستظهارا، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم، وقد كتب الشيخ عبد الرحمن بن عبد الخالق حفظه الله قواعد ذهبية تعين على حفظ القرآن الكريم، خلاصتها:
أولاً: وجوب إخلاص النية، وإصلاح القصد، وجعل حفظ القرآن والعناية به من أجل الله سبحانه وتعالى والفوز بجنته وحصول مرضاته، ونيل تلك الجوائز العظيمة لمن قرأ القرآن وحفظه؛ فلا أجر ولا ثواب لمن قرأ القرآن وحفظه رياء أو سمعة، ولا شك أن من قرأ القرآن مريداً الدنيا طالباً به الأجر الدنيوي فهو آثم.
ثانياً: تصحيح النطق والقراءة، ولا يكون ذلك إلا بالسماع من قارئ مجيد أو حافظ متقن، والقرآن لا يؤخذ إلا بالتلقي، فقد أخذه الرسول صلى الله عليه وسلم وهو أفصح العرب لساناً من جبريل شفاهاً، وكذلك علمه الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه شفاهاً
ثالثاً: تحديد نسبة الحفظ كل يوم؛ فيجب على مريد حفظ القرآن أن يحدد ما يستطيع حفظه في اليوم: عدداً من الآيات مثلاً، أو صفحة أو صفحتين من المصحف أو ثمناً للجزء وهكذا، فيبدأ بعد تحديد مقدار حفظه وتصحيح قراءته بالتكرار والترداد، ويجب أن يكون هذا التكرار مع التغني، وذلك لدفع السآمة أولاً، وليثبت الحفظ ثانياً. وذلك أن التغني بإيقاع محبب إلى السمع يساعد على الحفظ، ويعوِّد اللسان على نغمة معينة فتتعرف بذلك على الخطأ رأساً عندما يختل وزن القراءة والنغمة المعتادة للآية، فيشعر القارئ أن لسانه لا يطاوعه عند الخطأ، وأن النغمة اختلت فيعاود التذكر
رابعاً: لا تجاوز مقررك اليومي حتى تجيد حفظه تماماً، ولا شك إن ما يعين على حفظ المقرر أن يجعله الحافظ شغله طيلة ساعات النهار والليل، وذلك بقراءته في الصلاة السرية، وإن كان إماماً ففي الجهرية، وكذلك في النوافل، وكذلك في أوقات انتظار الصلوات، وفي ختام الصلاة، وبهذه الطريقة يسهل الحفظ جداً ويستطيع كل أحد أن يمارسه ولو كان مشغولاً بأشغال كثيرة لأنه لن يجلس وقتاً مخصوصاً لحفظ الآيات وإنما يكفي فقط تصحيح القراءة على القارئ، ثم مزاولة الحفظ في أوقات الصلوات، وفي القراءة في النوافل والفرائض وبذلك لا يأتي الليل إلا وتكون الآيات المقرر حفظها قد ثبتت تماماً في الذهن
خامساً: حافظ على رسم واحد لمصحف حفظك، وذلك بأن يجعل الحافظ لنفسه مصحفاً خاصاً لا يغيره مطلقاً وذلك أن الإنسان يحفظ بالنظر كما يحفظ بالسمع، وذلك أن صور الآيات ومواضعها في المصحف تنطبع في الذهن مع كثرة القراءة والنظر في المصحف
سادساً: الفهم طريق الحفظ؛ فمن أعظم ما يعين على الحفظ فهم الآيات المحفوظة ومعرفة وجه ارتباط بعضها ببعض.
ولذلك يجب على الحافظ أن يقرأ تفسيراً للآيات التي يريد حفظها، وأن يعلم وجه ارتباط بعضها ببعض، وأن يكون حاضر الذهن عند القراءة وذلك لتسهل عليه استذكار الآيات
سابعاً: لا تجاوز سورة حتى تربط أولها بآخرها
ثامناً: التسميع الدائم؛ يجب على الحافظ ألا يعتمد على حفظه بمفرده، بل يجب أن يعرض حفظه دائماً على حافظ آخر، أو متابع في المصحف، حبذا لو كان هذا مع حافظ متقن، وذلك حتى ينبه الحافظ بما يمكن أن يدخل في القراءة من خطأ، وما يمكن أن يكون مريد الحفظ قد نسيه من القراءة وردده دون وعي، فكثير ما يحفظ الفرد منا السورة خطأ، ولا ينتبه لذلك حتى مع النظر في المصحف لأن القراءة كثيراً ما تسبق النظر
تاسعاً: المتابعة الدائمة؛ يختلف القرآن في الحفظ عن أي محفوظ آخر من الشعر أو النثر، وذلك أن القرآن سريع الهروب من الذهن، بل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده لهو أشد تفلتاً من الإبل في عقلها» متفق عليه. ولذلك فلا بد من المتابعة الدائمة والسهر الدائم على المحفوظ من القرآن، وفي ذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «إنما مثل صاحب القرآن كمثل صاحب الإبل المعقلة، إن عاهد عليها أمسكها، وإن أطلقها ذهبت» متفق يسعليه.
عاشراً: العناية بالمتشابهات؛ فإن القرآن متشابه في معانيه وألفاظه وآياته. قال تعالى: {الله نزل أحسن الحديث كتاباً متشابهاً مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله}. وإذا كان القرآن فيه نحواً من ستة آلاف آية ونيف فإن هناك نحواً من ألفي آية فيها تشابه بوجه ما قد يصل أحياناً حد التطابق أو الاختلاف في حرف واحد، أو كلمة واحدة أو اثنتين أو أكثر. لذلك يجب على قارئ القرآن المجيد أن يعتني عناية خاصة بالمتشابهات من الآيات، ونعني بالتشابه هنا التشابه اللفظي، وعلى مدى العناية بهذا المتشابه تكون إجادة الحفظ، ويمكن الاستعانة على ذلك بكثرة الاطلاع في الكتب التي اهتمت بهذا النوع من الآيات المتشابهة ومن أشهرها:
1) درة التنزيل وغرة التأويل – بيان الآيات المتشابهات في كتاب الله العزيز – للخطيب الإسكافي.
2) أسرار التكرار في القرآن – لمحمود بن حمزة بن نصر الكرماني.
والله الموفق والمستعان.