الجنايات

حكم قتل المرتد

يقول الله تعالى {إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفراً لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلا} ويقول سبحانه {إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفراً لن تقبل توبتهم وأولئك هم الضالون} فهل تفيد الآية الأولى عدم جواز قتل المرتد كما يدعي البعض؟ ما معنى {ازدادوا كفرا} وما سبب عدم قبول توبتهم؟

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.

فإن قتل المرتد من الأحكام المجمع عليها بين فقهاء الإسلام؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم {من بدل دينه فاقتلوه} رواه البخاري، وفي الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال {لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة} قال ابن قدامة رحمه الله تعالى في المغني: وأجمع أهل العلم على وجوب قتل المرتد، وروي ذلك عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ومعاذ وأبي موسى وابن عباس وخالد وغيرهم، ولم ينكر ذلك؛ فكان إجماعاً أ.هـ وقد طبق هذا الحكم الصحابة الكرام الذين هم أعلم الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالكتاب والسنة؛ ففي البخاري عن عكرمة قال: أتي أمير المؤمنين علي رضي الله عنه بزنادقة فأحرقهم؛ فبلغ ذلك ابن عباس رضي الله عنهما فقال: لو كنت أنا لم أحرقهم لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم قال {لا تعذِّبوا بعذاب الله} ولقتلتهم لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم {من بدَّل دينه فاقتلوه} وفي الصحيحين أن معاذاً رضي الله عنه لحق أبا موسى باليمن؛ فلما قدم عليه ألقى له وسادة وقال: انزل. وإذا رجل عنده موثق، قال معاذ: ما هذا؟ قال أبو موسى: كان يهودياً فأسلم ثم تهود. قال معاذ: لا أجلس حتى يقتل؛ قضاء الله ورسوله} وفي رواية لأحمد: قضى الله ورسوله أن من رجع عن دينه فاقتلوه. وعن محمد بن عبد الله بن عبد القاري قال: قدم على عمر بن الخطاب رضي الله عنه رجل من قبل أبي موسى رضي الله عنه فسأله عن الناس فأخبره، ثم قال: هل من مغربة خبر؟ قال: نعم، كفر رجل بعد إسلامه! قال عمر: فما فعلتم به؟ قال: قربناه فضربنا عنقه. فقال عمر: هلا حبستموه ثلاثاً، وأطعمتموه كل يوم رغيفاً، واستتبتموه؛ لعله يتوب ويراجع أمر الله؟ اللهم إني لم أحضر ولم أرض إذ بلغني. رواه الشافعي.

أما قوله تعالى {إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفراً لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلا} فقد قال بعض أهل التأويل في تفسيرها: إن الذين آمنوا بموسى ثم كفروا به ـ وهم اليهود ـ ثم آمنوا بعيسى ثم كفروا به ـ وهم النصارى ـ ثم ازدادوا كفراً بمحمد صلى الله عليه وسلم لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلا، وقال آخرون: بل عني بذلك أهل النفاق أنهم آمنوا ثم ارتدوا ثم آمنوا ثم ارتدوا ثم ازدادوا كفراً بموتهم على الكفر. قال ابن جرير الطبري رحمه الله تعالى: وأولى هذه الأقوال بتأويل الآية قول من قال: عنى بذلك أهل الكتاب الذين أقروا بحكم التوراة ثم كذبوا بخلافهم إياه ثم أقر من أقر منهم بعيسى والإنجيل ثم كذب به بخلافه إياه ثم كذب بمحمد صلى الله عليه وسلم والفرقان فازداد بتكذيبه به كفراً على كفره.أ.هـ  وأما قوله تعالى {إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفراً لن تقبل توبتهم وأولئك هم الضالون} فمعناه ـ والله أعلم ـ إن الذين كفروا ببعض أنبيائه الذين بعثوا قبل محمد صلى الله عليه وسلم بعد إيمانهم، ثم ازدادوا كفراً بكفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم لن تقبل توبتهم عند حضور الموت وحشرجته بنفسه، وبه قال الحسن البصري وقتادة وعطاء الخراساني، وقال آخرون: إن الذين كفروا من أهل الكتاب بمحمد صلى الله عليه وسلم بعد إيمانهم بأنبيائهم، ثم ازدادوا كفراً يعني: ذنوباً لن تقبل توبتهم من ذنوبهم وهم على الكفر مقيمون، وبه قال أبو العالية.

فكما ترى أيها السائل ليس للآيتين علاقة بحد الردة بل الحديث فيهما عن أهل الكتاب ممن لم يدخلوا الإسلام ابتداء، فهم كفار أصليون لا مرتدون، وخير ما يفسر به القرآن القرآن ثم سنة النبي عليه الصلاة والسلام، هذا هو مسلك العلماء الراسخين، {وأما الذين في قلوبهم زيغ فإنهم فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله} ويحاولون أن يضربوا كتاب الله بعضه ببعض، نعوذ بالله من الهوى والضلال، وقد نقلت لك إجماع أهل العلم على وجوب قتل المرتد في الجملة، وليحذر كل امرئ من أن يكون ممن قال الله فيهم {ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا} والله تعالى أعلم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى