خطب الجمعة

أقدار الله

خطبة الجمعة 02-05-2025

الحمدُ للهِ الذي لهُ ما في السماواتِ وما في الأرضِ ولهُ الحمدُ في الآخرةِ وهو الحكيمُ الخبيرُ يعلمُ ما يلجُ في الأرضِ وما يخرجُ منها وما ينزلُ منَ السماءِ وما يعرجُ فيها وهو الرحيمُ الغفورُ (سبأ: 1). وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ لهُ، لهُ الملكُ ولهُ الحمدُ وهو على كلِّ شيءٍ قديرٌ. وأشهدُ أنَّ سيدَنا ونبيَّنا وإمامَنا وعظيمَنا محمدًا رسولُ اللهِ، الرحمةُ المهداةُ والنعمةُ المسداةُ والسراجُ المنيرُ والبشيرُ النذيرُ، أرسلهُ ربُّه بالهدى ودينِ الحقِّ ليُظهرهُ على كلِّه ولو كرهَ المشركونَ. اللهمَّ صلِّ وسلمْ وباركْ عليهِ وعلى آلهِ وأصحابهِ الذين عزَّروهُ ونصروهُ واتبعوا النورَ الذي أُنزلَ معهُ، أولئكَ همُ المفلحونَ.

أما بعدُ، أيها المسلمونَ عبادَ اللهِ، فإنَّ المسلمَ يواجهُ أقدارَ اللهِ عزَّ وجلَّ بالعملِ بشرعهِ ودينهِ، فقدرُ اللهِ عزَّ وجلَّ يُتعاملُ معهُ بالشرعِ. الأقدارُ قد يكونُ فيها ما يحبُّهُ الإنسانُ ويألفهُ من صحةِ الجسدِ وأمنِ البلدِ وسعةِ الرزقِ وثباتِ الأمرِ، وقد يكونُ فيها ما يؤلمهُ ويكرههُ منَ الأمراضِ والأسقامِ والأوجاعِ وتسلُّطِ الأعداءِ والفاقةِ وغيرِ ذلكَ. كلُّ هذهِ الأقدارِ تُواجهُ بشرعِ ربِّنا جلَّ جلالهُ، لا تُواجهُ بعجزٍ ولا كسلٍ.

فقد كانَ دعاءُ رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ: «اللهمَّ إني أعوذُ بكَ منَ العجزِ والكسلِ، وأعوذُ بكَ منَ الجبنِ والبخلِ، وأعوذُ بكَ من ضلعِ الدينِ وغلبةِ الرجالِ». وقالَ زيدُ بنُ أرقمَ رضيَ اللهُ عنهُ: «لا أقولُ لكم إلا ما قالَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ: اللهمَّ إني أعوذُ بكَ منَ العجزِ والكسلِ والجبنِ والبخلِ والهرمِ، أعوذُ بكَ من عذابِ القبرِ، اللهمَّ آتِ نفسي تقواها وزكِّها أنتَ خيرُ من زكَّاها، أنتَ وليُّها ومولاها، اللهمَّ إني أعوذُ بكَ من علمٍ لا ينفعُ وقلبٍ لا يخشعُ ونفسٍ لا تشبعُ وأعوذُ بكَ من دعوةٍ لا يُستجابُ لها». هكذا كانَ دعاءُ رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ. فالذي يقفُ أمامَ الأقدارِ عاجزًا مكتوفَ اليدينِ، يلطمُ خدَّهُ ويخمشُ وجهَهُ، ما عملَ بشريعةِ محمدٍ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ.

أيها المسلمونَ عبادَ اللهِ، لو قرأنا أحداثَ السيرةِ فإنَّنا نرى من عواملها المؤثرةِ أفرادًا كانَ لهم أبلغُ الأثرِ في الانتصارِ للإسلامِ، أفرادًا معدودينَ. لو قرأنا سيرةَ نبيِّنا صلى اللهُ عليهِ وسلمَ في مكةَ نجدُ الصدِّيقَ أبا بكرٍ رضيَ اللهُ عنهُ لهُ القدحُ المعلى في الانتصارِ للهِ ورسولهِ. لما صرخَ الصارخُ: «يا أبا بكرٍ أدركْ صاحبَكَ فإنَّ القومَ قاتلُ»، خرجَ أبو بكرٍ رضيَ اللهُ عنهُ وهو يجرُّ إزارَهُ فوجدَ القومَ قد أحاطوا بالنبيِّ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ، هذا ينتهُ وذاكَ يدفعهُ وهذا يلبِّبهُ بردائِهِ، فأقبلَ الصدِّيقُ أبو بكرٍ رضيَ اللهُ عنهُ يضربهم بكلتا يديهِ ويقولُ: «ويلكم أتقتلونَ رجلاً أن يقولَ ربي اللهُ وقد جاءكم بالبيناتِ من ربِّكم» (غافر: 28). فتركَ القومُ رسولَ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ وأقبلوا على أبي بكرٍ يضربونهُ ويصفعونهُ حتى إنَّ عدوَّ اللهِ عتبةَ بنَ ربيعةَ خلعَ نعليهِ وكانتا مخسوفتين فجعلَ يضربُ أبا بكرٍ على وجهِهِ بالنعلِ حتى دماهُ. وحُملَ الصدِّيقُ إلى بيتهِ لا يُدرى أحيٌّ هوَ أم ميتٌ، حتى قالَ بنو تيمٍ: «لو ماتَ أبو بكرٍ بهَ عتبةُ بنُ ربيعةَ». هكذا كانَ الصدِّيقُ رضيَ اللهُ عنهُ، ما كانَ بالرجلِ الضخمِ ولا من ذوي الأوزانِ الثقيلةِ، بل كما ذُكرَ في صفتِهِ بأنهُ كانَ رجلاً طوالاً نحيفًا أدنى أي في ظهرهِ نوعُ انحناءٍ، وحدهُ دابٌّ، ومعَ ذلكَ قامَ هذا المقامَ العظيمَ في الدفاعِ عن رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ حتى نزلَ فيهِ قولُ ربِّنا جلَّ جلالهُ: ﴿وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾ (الزمر: 33). الذي جاءَ بالصدقِ هو محمدٌ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ، والذي صدَّقَ بهِ أبو بكرِ بنُ أبي قحافةَ رضيَ اللهُ عنهُما.

أيها المسلمونَ عبادَ اللهِ، من أولئكَ الرجالِ المؤمنينَ نعيمُ بنُ مسعودٍ الثقفيُّ رضيَ اللهُ عنهُ. لما كانت غزوةُ الخندقِ في السنةِ الخامسةِ منَ الهجرةِ وقد عظمَ التآمرُ على الإسلامِ وأهلهِ، فجاءت قريشٌ ومعها غطفانُ وبنو تميمٍ والأحابيشُ والأعرابُ من كلِّ حدبٍ وصوبٍ، وتآمروا معهم يهودُ بني قريظةَ الذين كانوا في جنوبِ المدينةِ ويهودُ بني النضيرِ الذين كانوا في خيبرَ، كلُّ هؤلاءِ قد رموا أهلَ الإسلامِ عن قوسٍ واحدةٍ، حتى ظنُّوها هي الحالقةُ التي ستحلقُ الدينَ. لكنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ يسخرُ من شاءَ لما شاءَ. جاءَ نعيمُ بنُ مسعودٍ رضيَ اللهُ عنهُ وقالَ: «يا رسولَ اللهِ إني قد أسلمتُ ولم يعلمْ قومي بإسلامي فمرني بما شئتَ أساعدكَ بهِ». فماذا قالَ الحكيمُ صلواتُ ربي وسلامهُ عليهِ؟ قالَ لهُ: «وماذا عساكَ أن تفعلَ إنما أنتَ رجلٌ واحدٌ، فخذِّلْ عنَّا ما استطعتَ فإنما الحربُ خدعةٌ». هذا الرجلُ المؤمنُ أخذَ هذهَ من رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ، وبدأَ يعملُ عقلَهُ ماذا يستطيعُ أن يفيدَ بهِ الإسلامَ وأهلهُ، فذهبَ رضيَ اللهُ عنهُ إلى يهودِ بني قريظةَ وطلبَ الاجتماعَ برؤوسهم، قالَ لهم: «قد علمتم صلتي بكم وخوفي عليكم وإني محدثكم حديثًا فاكتموهُ». قالوا: «نعم لستَ عندنا بمتهمٍ». قالَ لهم: «يا يهودَ لستم كقريشٍ وغطفانَ، فإنَّ القومَ إن أصابوا من محمدٍ فرصةً اهتبلوها، وإلا رجعوا إلى بلادهم آمنينَ، أما أنتم فإنكم تساكنونَ الرجلَ وقد علمتم ما نزلَ ببني قينقاعَ وبني النضيرِ، وإني أرى أن تطلبوا من قريشٍ وغطفانَ أن يسلموا إليكم رجالاً من أشرافهم يكونونَ بأيديكم حتى تستوثقوا أن يناجزوا معكم محمدًا ولا ينصرفوا إلى بلادهم فيتركوكم معَ الرجلِ وحدكم». قالوا: «قد نصحتَ فصدقتَ». ثم انطلقَ من عندهم فاجتمعَ برؤوسِ قريشٍ وقالَ لهم: «يا معشرَ قريشٍ علمتم صلتي بكم وصدقي فيكم وإني محدثكم حديثًا فاكتموهُ». قالوا لهُ: «قلْ». قالَ لهم: «إنَّ يهودَ بني قريظةَ قد ندموا على ما كانَ منهم من نقضِ عهدِ محمدٍ، قد راسلوهُ وكاتبوهُ على أن يأخذوا سبعينَ من أشرافكم فيسلموهم إليهِ فيضربَ أعناقهم، فإن طلبوا منكم ذلكَ فلا تعطوهم». ثم ذهبَ إلى غطفانَ قالَ لهم مثلَ ما قالَ لقريشٍ. فشكَّلَ كفارُ قريشٍ وفدًا منهم ومن غطفانَ برئاسةِ عكرمةَ بنِ أبي جهلٍ، فذهبوا إلى اليهودِ قالوا لهم: «يا معشرَ يهودِ قد طالَ المقامُ وقد هلكَ الخفُّ والحافرُ أي الإبلُ والخيلُ، وإنَّا نرى أن نقومَ غدًا السبتَ فنناجزَ محمدًا حتى نستأصلهُ». فقالَ لهم اليهودُ: «ما نحنُ لفاعلينَ فإنَّ قومًا منَّا قد اعتدوا في السبتِ ففعلَ اللهُ بهم ما قد علمتم، ثم إنَّا لسنا فاعلينَ حتى تسلموا إلينا سبعينَ من أشرافكم يكونونَ بأيدينا ثقةً بألا تتركونا ومحمدًا وتنصرفوا إلى دياركم». فنظرَ القومُ بعضهم إلى بعضٍ وقالوا: «إذًا ما قالَ نعيمُ بنُ مسعودٍ حقٌّ». فقالوا: «ما نحنُ بفاعلٍ». ثم انصرفوا من عندِ يهودِ فقالَ اليهودُ: «قد وقعَ ما حذَّرنا منهُ نعيمٌ». فألقى اللهُ بينهم العداوةَ والبغضاءَ ثم كانتِ الخاتمةُ، أنْ أرسلَ ريحًا قلعتْ خيامهم وكفأتْ قدورهم، ﴿وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا﴾ (الأحزاب: 25). إذا ذُكرتْ غزوةُ الخندقِ، نعيمُ بنُ مسعودٍ رضيَ اللهُ عنهُ على أنهُ البطلُ المقدامُ الذكيُّ الألمعيُّ الذي خذَّلَ اللهُ بهِ بينَ أولئكَ المشركينَ.

في صلحِ الحديبيةِ في السنةِ السادسةِ منَ الهجرةِ، عاقدَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ قريشًا على بنودٍ أربعةٍ، كانَ من بينها أنَّ من جاءَ من مكةَ مسلمًا فإنهُ ملزمٌ بردهِ قريشٍ، ومن جاءَ منَ المدينةِ مرتدًّا فإنَّ قريشًا لا تردهُ. كانَ هذا البندُ من صلحِ الحديبيةِ شديدَ الوطأةِ على المسلمينَ، لأنهم قد رأوا فيهِ إعطاءً للدنيةِ، تنازلاً غيرَ مقبولٍ حتى اعترضَ بعضهم علانيةً كعمرَ بنِ الخطابِ رضيَ اللهُ عنهُ. لكنَّ رسولَ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ كانَ يرى ما لا يرونَ ويعلمُ ما لا يعلمونَ. لم يلبثِ الق خرجَ أبو بصيرٍ إلى بلدٍ يُقالُ لهُ العيصُ على ساحلِ البحرِ الأحمرِ حيثُ تمرُّ قوافلُ قريشٍ، ولم يلبثْ أبو جندلُ بنُ سهيلِ بنِ عمروٍ أنْ انفلتَ من قيدهِ فلحقَ بهِ، ورجالٌ آخرونَ جاءوا من أماكنَ شتَّى حتى كانوا سبعينَ رجلاً، يقطعونَ على قوافلِ قريشٍ الطريقَ، حتى أرسلتْ قريشٌ إلى رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ تناشدهُ اللهَ والرحمَ أن يمسكَ عندهُ من جاءهُ مسلمًا، فأبطلَ اللهُ عزَّ وجلَّ ذلكَ البندَ الظلومَ بفعلةِ هذا الرجلِ أبي بصيرٍ عروةَ بنِ أسيدٍ الثقفيِّ رضيَ اللهُ عنهُ.

رجلٌ ثالثٌ، سهيلُ بنُ عمروٍ الذي ذُكرَ قبلَ قليلٍ وكانَ مشركًا، هذا الرجلُ أُسرَ يومَ بدرٍ وكانَ خطيبًا مصقعًا مفوهًا يحرضُ الناسَ على القتالِ. قامَ في مكةَ قبلَ أن يخرجوا إلى بدرٍ، قالَ: «يا معشرَ قريشٍ، أتتركونَ محمدًا والصباةَ يعرضُ لأموالكم وتجارتكم؟ هلمُّوا لنخرجَ إليهم، من لم يكنْ لهُ مالٌ فهذا هوَ المالُ وأخرجَ مالَهُ فلنخرجْ جميعًا». ثم بعدَ ذلكَ أُخذَ أسيرًا يومَ بدرٍ ضمنَ السبعينَ، فلما رآهُ عمرُ بنُ الخطابِ رضيَ اللهُ عنهُ قالَ: «يا رسولَ اللهِ، إنَّ سهيلَ بنَ عمروٍ قد أوقعهُ اللهُ في أسرنا، فدعني أنزعُ ثنيتيهِ فيندلعَ لسانُهُ، لا يقومُ عليكَ خطيبًا بعدَ اليومِ أبدًا». فقالَ لهُ عليهِ الصلاةُ والسلامُ: «لا يا عمرُ، لا أُمثِّلُ بهِ فيُمثِّلُ اللهُ بي وإنْ كنتُ نبيًّا، المُثْلَى حرامٌ». ثم قالَ لهُ: «ولعلهُ يقومُ تحمدهُ فيهِ». هذا الرجلُ المشركُ لعلهُ يكونُ منهُ كلامٌ آخرُ وموقفٌ آخرُ تحمدهُ. سبحانَ اللهِ، هذا الرجلُ أسلمَ بعدَ فتحِ مكةَ، ثم بعدَ ذلكَ لما توفيَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ وارتدَّتِ الأعرابُ وجهرَ المنافقونَ بكفرهم، قامَ سهيلُ بنُ عمروٍ في أهلِ مكةَ خطيبًا، قالَ: «يا أهلَ مكةَ، لقد كنتم آخرَ من أسلمَ، فلا تكونوا أولَ من ارتدَّ، اتقوا اللهَ فإنَّ اللهَ قد ختمَ النبوةَ بمحمدٍ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ». ثبَّتَ اللهُ أهلَ مكةَ بمقالةِ هذا الرجلِ الذي كانَ مشركًا يومًا منَ الأيامِ، ثم كانتْ خاتمتُهُ رضيَ اللهُ عنهُ أنْ استُشهدَ يومَ اليرموكِ شهيدًا في فتوحاتِ بلادِ الشامِ.

أيها المسلمونَ عبادَ اللهِ، إنَّ أيَّ إنسانٍ يستطيعُ أنْ يكونَ لهُ موقفٌ، أنْ ينصرَ الإسلامَ بما يستطيعُ، بنفسهِ، بلسانهِ، بمالهِ، ﴿وَلَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ (البقرة: 286). لكنَّ العاجزَ من اتَّبعَ نفسَهُ هواها وتمنَّى على اللهِ الأمانيَ. أسألُ اللهَ عزَّ وجلَّ أنْ يستعملَنا في طاعتِهِ، آمينَ، وأنْ يعينَنا على ذكرهِ وشكرهِ وحسنِ عبادتِهِ، وأنْ يجعلَ لنا ممن ينصرونَ دينَهُ ويذبُّونَ عن شريعتِهِ، إنهُ أرحمُ الراحمينَ وأكرمُ الأكرمينَ.

الحمدُ للهِ وحدهُ، وأصلي وأسلمُ على من لا نبيَّ بعدهُ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ إلهُ الأولينَ والآخرينَ، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُ اللهِ ورسولهُ النبيُّ الأمينُ، بعثهُ اللهُ بالهدى واليقينِ لينذرَ من كانَ حيًّا ويحقَّ القولُ على الكافرينَ. اللهمَّ صلِّ وسلمْ عليهِ وعلى آلهِ وأصحابهِ أجمعينَ.

أما بعدُ، أيها المسلمونَ، فاتقوا اللهَ حقَّ تقاتِهِ وتوبوا إلى اللهِ جميعًا أيها المؤمنونَ لعلكم تفلحونَ. واعلموا، إخوتي في اللهِ، أنَّ أقلَّ ما يُنتصرُ لدينِ اللهِ عزَّ وجلَّ في أيامِنا هذهِ ويقدرُ عليهِ كلُّ واحدٍ منَّا أنْ يسهمَ إسهامًا فاعلاً في مقاطعةِ الشركاتِ والمؤسساتِ والسلعِ والبضائعِ التي يثبتُ أنَّ القائمينَ عليها داعمونَ لكيانِ الصهاينةِ. هذا أقلُّ ما نقومُ بهِ، فإنَّ المقاطعةَ سلاحٌ فعالٌ، وقد بدأَ القومُ يصرخونَ من آثارِها ويتوجَّعونَ بها من جرَّائها معَ أنَّ المشاركينَ فيها ليسوا نسبةً كبيرةً منَ المسلمينَ. أكثرُ الناسِ في غيِّهم سادرونَ، لا يبالونَ بالذي يقعُ بإخوانِهم، ولا يهتمونَ بمقاطعةٍ ولا يفكرونَ في الانتصارِ لدينِهم، لكنْ ثلةً قليلةً منَ الناسِ قاطعوا تلكَ السلعَ والبضائعَ والشركاتِ والمؤسساتِ، فكانَ لهم أثرٌ فاعلٌ. فما بالكم لو شاركَ فيها جميعُ الناسِ وشاركتِ الحكوماتُ؟ لا شكَّ أنَّ ذلكَ سيكونُ مؤثرًا. فاتقوا اللهَ ما استطعتم، المقاطعةَ يستطيعُها كلُّ واحدٍ منَّا، خاصةً وأنْ ترى تلكَ السلعَ ليستْ ضروريةً ولا حاجيةً، بل هناكَ ما يُستغنى بهِ عنها. هذهِ السلعُ ما تتوقفُ عليها حياةُ الناسِ، فليستْ هيَ ماءً يُشربُ لا سبيلَ لتركهِ، ولا قوتًا يُتغذَّى بهِ، بل أكثرُها سلعٌ تحسينيةٌ أو كما يقولُ الناسُ كماليةٌ يمكنُ أنْ تُتركَ وأنْ يموتَ الإنسانُ دونَ أنْ يأخذَ شيئًا منها ولا أنْ يشتريَ نقيرًا ولا قطميرًا. أسألُ اللهَ عزَّ وجلَّ أنْ يعينَنا على ذلكَ وأنْ يوفِّقَنا لما يحبُّ ويرضى وأنْ يأخذَ بنواصينا إلى البرِّ والتقوى وأنْ يستعملَنا فيما يرضيهِ عنَّا.

اللهمَّ إنَّا نسألكَ لإخوانِنا في غزةَ فرجًا قريبًا ونصرًا عزيزًا وعافيةً منَ البلايا وغنًى عنِ الناسِ. اللهمَّ احرسهم بعينِكَ التي لا تنامُ، واكنفهم بركنِكَ الذي لا يُضامُ، وارحمهم بقدرتِكَ عليهم فلا يهلكونَ وأنتَ رجاؤهم. اللهمَّ احفظهم بما تحفظُ بهِ عبادَكَ الصالحينَ، احفظهم من بينِ أيديهم ومن خلفِهم وعن أيمانِهم وعن شمائلهم ومن فوقهم، ونعيذُهم بعظمتِكَ أنْ يُغتالوا من تحتهم. اللهمَّ آتِ نفوسَنا تقواها وزكِّها أنتَ خيرُ من زكَّاها، أنتَ وليُّها ومولاها. اللهمَّ اجعلْ لنا من كلِّ همٍّ فرجًا ومن كلِّ ضيقٍ مخرجًا ومن كلِّ بلاءٍ عافيةً. ربَّنا آتِنا في الدنيا حسنةً وفي الآخرةِ حسنةً وقِنا عذابَ النارِ. اللهمَّ اغفرْ للمؤمنينَ والمؤمناتِ والمسلمينَ والمسلماتِ، الأحياءِ منهم والأمواتِ، إنكَ سميعٌ قريبٌ مجيبُ الدعواتِ. اللهمَّ اغفرْ لآبائِنا وأمهاتِنا وارحمهم كما ربَّونا صغارًا. اللهمَّ اغفرْ لمشايخِنا ولمن علَّمنا وتعلَّمَ منَّا. اللهمَّ أحسنْ إلى من أحسنَ إلينا. اللهمَّ اغفرْ لمن وقفَ هذا المكانَ المباركَ ولمن عبدَ اللهَ فيهِ ولجيرانِهِ منَ المسلمينَ والمسلماتِ. اللهمَّ صلِّ وسلمْ وباركْ على سيدِنا محمدٍ وعلى جميعِ المرسلينَ. واقمِ الصلاةَ.

أقدار الله

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى