خطب الجمعة

فتنة المال

خطبة الجمعة 16-05-2025

الحمد لله الذي له ما في السماوات وما في الأرض، وله الحمد في الآخرة، وهو الحكيم الخبير، يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها، وهو الرحيم الغفور. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد على كل شيء قدير، وأشهد أن سيدنا ونبينا وإمامنا وعظيمنا محمدًا رسول الله، الرحمة المهداة والنعمة المسداة، والسراج المنير والبشير النذير، أرسله ربه بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون. اللهم صلّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه الذين عزَّروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه، أولئك هم المفلحون.

يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون، يا أيها اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالًا كثيرًا ونساء، واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبًا، يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولًا سديدًا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم، ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزًا عظيمًا.

أما بعد أيها المسلمون عباد الله، فإن ربنا جل جلاله قد قسم بينكم أخلاقكم كما قسم بينكم أرزاقكم، وإن الله تعالى لا يعطي الدنيا لمن يحب ومن لا يحب، ولا يعطي الدين إلا لمن أحب، فمن أعطاه الله الدين فقد أحبه، والذي نفسي بيده لا يسلم حتى يسلم قلبه ولسانه، ولا يؤمن حتى يأمن جاره بوائقه، قالوا: وما بوائقه يا نبي الله؟ قال: غشمه وظلمه، ولا يكسب مالًا من حرام فينفق منه فيبارك له فيه، ولا يتصدق به فيتقبل منه، ولا يتركه خلف ظهره إلا كان زاده النار، إن الله لا يمحو الخبيث بالخبيث، ولكن يمحو الخبيث بالطيب، هذا كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، يبين فيه أن الله عز وجل يخص بالدين من يحبه من عباده، أما الدنيا فهي مبذولة لمن يحبه الله ومن لا يحبه الله، الدنيا متاحة للمؤمن والكافر، البر والفاجر، الصالح والطالح، من أخذ بأسبابها فإنه ينالها، أما الدين فلا يعطيه الله عز وجل لمن أحب.

ويبين صلوات ربي وسلامة عليه أن العبد مسئول عن كسبه، فإذا اكتسب مالًا من حرام فإنه إن أنفق منه لا يبارك في تلك النفقة، ولو أنه تصدق منه كما يخادع بعض الناس أنفسهم، يكتسب أحدهم مالًا من حرام، سأنفق وأتصدق، أكفل الأيتام، وأبني المساجد، وأطعم المساكين، لكن لا يتقبل الله شيئًا من ذلك، لأنه جل جلاله طيب لا يقبله إلا طيبًا، أما إذا خلفه وراء ظهره فإنه زاده إلى النار عياذًا بالله تعالى.

أيها المسلمون عباد الله، خلق الله النفوس مجبولة على حب المال، ساعية إلى تكثيره، دؤوبة في تثميره، محبة لجمعه من كل حدب وصوب، كما قال جل من قائل: زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ. وقال جل من قائل: اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ. لو كان لابن آدم واديان من ذهب لابتغى ثالثًا، ولا يملأ فاه إلا التراب، ويتوب الله على من تاب.

هذه الدنيا التي يحبها الناس، وهذا المال الذي يسعون إلى جمعه وتكثيره وتثميره، أر自主ي، أرشدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الدواء الذي نداوي به هذه النفس المجبولة على الشح، المحبة للمال، الحريصة عليه، أرشدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن نعرف حقيقة هذه الدنيا، وأنها ساعات محدودة، وأنفاس معدودة، عما قريب نفارقها، يفارقها الغني والفقير، والشيخ والشاب، والكبير والصغير، والملك والمملوك، والأمير والمأمور، الكل سيفارق الدنيا، لا بد أن يعلم الجميع أن هذا المال الذي يجمعونه ويثمرونه، حلاله حساب وحرامه عقاب، يقول ابن آدم: مالي مالي، وليس له من ماله إلا ما أكل فأفنى، أو لبس فأبلى، أو تصدق فأبقى، وما سوى ذلك فهو ذاهب وتاركه للناس.

أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله؟ هذا سؤال يطرحه رسول الله صلى الله عليه وسلم، يطرحه على الصحابة: أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله؟ قالوا: يا رسول الله، ما منا واحد إلا ماله أحب إليه، قال عليه الصلاة والسلام: فإن ماله ما قدمت، ومال وارثك ما أبقيت، هذا المال الذي تجمعه، الذي تكنزه، يذهب الوارث، أما ماله حقًا، فذاك الذي بذلته لله، جاهدت به في سبيل الله، أنفقته في الوجوه التي يحبها الله عز وجل، فقلت هكذا وهكذا ذات اليمين وذات الشمال.

أيها المسلمون عباد الله، ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه مثلًا عمليًا توضيحيًا لحقيقة هذه الدنيا، على الله، لما قدم من ناحية عالية، حي من أحياء المدينة، وأصحابه كنَّفَته، قد أحاطوا به صلوات ربي وسلامة عليه، فمر بهم على جدي أسك ميت، على جدي، وهو ذكر الماعز صغير الحجم، أسك أي صغير الأذن ميت، فأخذ صلى الله عليه وسلم بأذنه، قال: أيكم يحب أن يكون له هذا بدرهم؟ قالوا: يا رسول الله، ما يحب أحدنا أن له هذا ولو بغير شيء، فقال: هل تحبونه؟ قالوا: يا رسول الله، والله لو كان حيًّا لكان معيبًا، فكيف وهو ميت؟ قال عليه الصلاة والسلام: والذي نفسي بيده، للدنيا أهون على الله من هوان هذا عليكم، الدنيا بملوكها وأمرائها ورؤسائها وخصورها وأموالها وتجاراتها أهون على الله من هوان هذا الجدي الأسك الميت عليكم أيها الناس.

هكذا يبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أن هذه الدنيا ليست للأشخاص، ولا هي ميزانًا للأعمال، وإنما الدنيا لأربعة نفر: رجل آتاه الله مالًا وعلمًا، فهو يقضي في ماله بعلمه، يتقي ربه ويصل، فهو بأرفع المنازل، ورجل آتاه الله علمًا ولم يؤته مالًا، فهو يقول: لو أن لي مالًا لعملت فيه بعمل فلان، لعملت فيه بعمل فلان، ذلك التقي النقي الصالح الطيب، الذي لا يترك بابًا يحبه الله إلا أهلك فيه ماله، ورجل آتاه الله مالًا ولم يؤته علمًا، ماله كثير، لكن قلبه ما نور الله قلبه بأنوار العلم، ولا عرف حقيقة الدنيا، آتاه الله مالًا ولم يؤته علمًا، فهو يخبط في ماله، لا يتقي ربه ولا يصل رحمه، فهو بأخبث المنازل، ورجل لم يؤته الله مالًا ولا علمًا، فهو يقول: لو أن لي مالًا لعملت فيه بعمل فلان، بعمل ذلك الخبيث، فهما في الوزر سواء.

أيها المسلمون عباد الله، علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نأخذ من هذه الدنيا بالقدر الذي لا يضرنا، فكان صلوات ربي وسلامة عليه أصبح الناس وجهًا، وأنظفهم ثوبًا، وأعفهم طعمة، وأحسنهم عملًا، وفي الوقت نفسه كان متقللًا من هذه الدنيا، غير متوسع فيها، كان يمر عليه الهلال والهلال والهلال، وما توقد في بيوت أزواجه من نار، وما لهم من طعام إلا الأسودان، تقول عائشة رضي الله عنها: وكان يبيت الليالي طاويًا، لا يجد عشاء، يتقلب على فراش من شدة الجوع، وكنت أمسح على بطنه وأبكي رحمة له، أقول: نفسي لك الفداء يا رسول الله، هلا سألت ربك ما تقتات به؟ فكان عليه الصلاة والسلام يقول: عائشة، إخواني أولو العزم من الرسل، صبروا على مثل هذا العيش الشديد، حتى قدموا على ربهم، فأحسن ثوابهم وأكرم مآبهم، وإني أخشى أن تمتعت طيبات الدنيا أن يقصر بي غدًا دونه.

لما طلب بعض أزواجه التوسعة في الدنيا، أنزل الله عز وجل آية التخيير: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا، وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا. من كانت تريد التمتع بطيبات الدنيا، يريد الذهب والفضة، تريد الأصفر والأبيض، تريد الفراش الوفير والثياب الناعمة، أمتعها، أعطيها ما تريد، وأسرحها سراحًا جميلًا، أما من كانت تريد الله ورسوله وجنة عرضها السماوات والأرض، فلتصبر على هذا العيش، هكذا خيَّر رسول الله صلى الله عليه وسلم أزواجه، بدأ بأحبهن إليه وأثرهن لديه، أم المؤمنين الحصان الرزان عائشة رضي الله عنها، قال: يا عائشة، إني ساعرض عليك أمرًا، فلا تعجلي حتى تستأمري أبويك، حتى أبويك أبا بكر وأم رومان رضوان الله عليهما، وكان يعلم أن أبويها لا يأمرانها بفراقه عليه الصلاة والسلام، ثم قرأ عليها الآيتين، فقالت: يا رسول الله، أفيك أفيك استأمر أبوي، بل أختار الله ورسوله والدار الآخرة، وهكذا أمهات المؤمنين كلهن رضوان الله عليهم.

أيها المسلمون عباد الله، منا مأمور بأن يأخذ هذا المال من حله، وأن يضعه في حله، منهي أن يتأثر مالًا من حرام، من ربا، من غش، من رشوة، من تدليس، من بيع لمحرم، من أكل لأموال الناس بالباطل، من أن يشتري بآيات الله ثمنًا قليلًا، من أن يحرف الكلم عن مواضعه، كل هذه أبواب للكسب الحرام، نحن منهيون عنها، ونحن مأمورون بأن ننفق أموالنا التي اكتسبناها بكد إيماننا وعرق جبيننا، مأمورون بأن ننفقها في الحلال الطيب، لا في الحرام الخبيث، إذا كان هذا على مستوى المال الخاص، فهو أحرى في المال العام، المال العام الذي ليس له مالك على التعيين، وإنما تعود ملكيته لجمهور المسلمين، لعموم هذا المال العام، الحساب فيه أشد، والوقوف فيه أعظم.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا ألفين أحدكم يأتي يوم القيامة على رقبته شاة لها ثغاء، أو بقرة لها خوار، أو بعير له رغاء، يقول: يا رسول الله، أغثني، أقول: لا أملك لك من شيئًا، قد أبلغتك، لا ألفين أحدكم يوم القيامة يأتي على رقبته رقاع تخفق، أو صامت يقول: يا رسول الله، أغثني، أقول: لا أملك لك من الله شيئًا، قد أبلغتك، ومن يغلل يأتي بما غل يوم القيامة، من يغلل، من يأخذ شيئًا من المال العام، يأتي بما غل يوم القيامة، فماذا سيقول أولئك الذين بذلوا المليارات، أموالًا طائلة، لا يحصيها إلا الله أرقام، والله ما ندري كيف تكتب، يقول فلان: تبرأ بتريليون وأربع مائة مليار، والآخر تبرع باثنين تريليون وكذا، والثالث تبرع بكذا، يتبارون في تقديم هذه الأموال في صورة عقود لشراء طائرات، أسلحة لمن؟ لعدو الله ورسوله، لرئيس أكبر دولة تؤذي المسلمين، اليوم في أخبار اليوم، في أخبار هذا الصباح، أنه عند الفجر قتل من المسلمين في غزة اثنان وسبعون، هذا اليوم وحده، بسلاح من؟ بطائرات من؟ بأموال من؟ هل يجهل أحد الجواب؟ الكل يعلم، ومع ذلك يأتي عدو الله مبجلًا مكرمًا مرحبًا به، يتبادلون معه الابتسامات، ويبذلون له الدولارات، ويرجون منه النصرة والعون، حتى استيأس الناس من النصر، لكن لا والله، لا يغرنكم ذلك.

أيها المسلمون عباد الله، اقرأوا قول ربنا جل جلاله: إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ. الله جل جلاله لا يعجل لعجلة أحدنا، هؤلاء الذين بسط الله لهم أسباب الرزق، ووسع عليهم في العيش، لكنهم كفروا بنعمة الله، وبدلوها كفرًا، سيحلون أقوامهم دار البوار، أسأل الله عز وجل أن يولي علينا خيارنا، وأن ينزع الولاية من شرارنا، وأن يجعل ولايتنا فيمن خافه واتقاه، وأن يستعملنا في طاعته، وعلى ذكره وشكره وحسن عبادته، إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين.

الحمد لله وحده، وأصلي وأسلم على من لا نبي بعده، وأشهد أن لا إله إلا الله، إله الأول والآخرين، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبد الله ورسوله، النبي الأمين، بعثه الله بالهدى واليقين، لينذر من كان حيًّا ويحق القول على الكافرين، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى إخوانه الأنبياء والمرسلين، وآل كل وصحب كل أجمعين، وأحسن الله ختامي وختامكم وختام المسلمين، وحشر الجميع تحت لواء سيد المرسلين.

أما بعد أيها المسلمون، فاتقوا الله حق تقاته، وتوبوا إلى الله جميعًا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون، واعلموا إخوتي في الله أن هذه الأموال التي تُبعثر يمينًا وشمالًا ليست مملوكة لهؤلاء الحكام، ولا هي من كدهم ولا من سعيهم، وإنما هي مملوكة للمسلمين كلهم أجمعين، وقد علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن من استأمن منصبه أو جاهه من أجل أن يجمع مالًا من غير حله، أو ينفقه في غير حله، فهو على شفا هلكة.

لما جاءه ابن اللتبية وهو عامل على الزكاة، فقال رسول الله: هذا لكم، وهذا أهدي إلي، صعد عليه الصلاة والسلام على المنبر، قال: ما بال الرجل نستعمله على العمل من أعمال المسلمين، فيأتي فيقول: هذا لكم، وهذا أهدي إلي، هلا جلس بيت أبيه وأمه، فينظر أيهدى له أم لا؟ لما كان في غزوة خيبر، فقتل رجل من المسلمين يقال له مدعم، فقال الصحابة: هنيئًا له الشهادة، قال عليه الصلاة والسلام: إني رأيت قبره يشتعل عليه نارًا، غل من المغنم، أخبرهم بأن هذا الرجل أخذ شيئًا من الغنيمة قبل أن تصيبها القسمة، يقول الصحابة: ففتشنا متاعه، الذي قتل، ففتشنا متاعه، فوجدنا خرزًا من خرز يهود لا يساوي درهمين، هذا رجل مجاهد في سبيل الله، حمل السلاح في مقاومة اليهود، وقتل في جيش من؟ في جيش رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما بذل مالًا لعدو الله، ولا أنفق مالًا في غير مصلحة المسلمين، وإنما أخذ شيئًا يسيرًا لمصلحة نفسه، ومع ذلك حكم عليه النبي صلى الله عليه وسلم بأنه معذب في قبره.

يا أيها المسلمون يا عباد الله، إن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حكموا الدنيا، ومع ذلك عفوا عما لا يحل لهم، عمر رضي الله عنه كان يبعث الولاة والعمال، ثم يراقبهم، يحصي أموالهم قبل الولاية، ثم بعد ذلك يأمرهم إذا رجع أحدهم أن يدخل نهارًا، ما يأتي بالليل، وإنما يأتي بالنهار من أجل أن ينظر في حاله، ما الذي يصحب معه؟ ما الذي جمعه من مال؟ ثم بعد ذلك يحاسبهم محاسبة الشريك الشحيح، وكان رضي الله عنه يقول: ما وجدت صلاح هذا الأمر الذي ولانيه الله إلا في ثلاث: أداء الأمانة، والأخذ بقوة، والحكم بما أنزل الله، وإني ما وجدت صلاح هذا المال إلا في ثلاث: ليؤخذ من حقه، ويعطى في حقه، ويمنع من باطل، وإنما أنا في مال المسلمين كولي اليتيم، إن اغتنيت استعففت، وإن افتقرت أكلت بالمعروف، البهمة الأعرابية، قرمًا لا هضمًا، يقول: أكل شيئًا يسيرًا كما يأكل أدنى رجل من المسلمين.

هؤلاء الذين يبذلون الأموال، والله ما ارتادوا مصلحة المسلمين، وإنما ارتادوا أن يحفظوا كراسي مناصبهم، ممالكهم، دنياهم، أما مصلحة المسلمين فما نظروا إليها في قليل ولا كثير، لو كانوا حقًا يريدون مصلحة أنفسهم ومصلحة المسلمين، قوتهم، فإن لنا عبرة في الباكستان، هذه البلد الفقيرة، ذات العدد الكثير، وما هي بصاحبة الموارد الكثيرة كهؤلاء؟ ومع ذلك بنت لنفسها قوة ذاتية، لما أراد أعداء الله الهندوس أن ينتقصوا الباكستان من أطرافها، أو يحملوها على خطة عسف لا ترتضيها، لقنت أولئك درسًا لن ينسوه، وهكذا المؤمن القوي أحب إلى الله من المؤمن الضعيف، أما هؤلاء فقد ارتضوا الذل والهوان، ارتضوا أن يمدوا حبالهم مع أعداء الله ورسوله، ظانين أن الدنيا ستبقى لهم، ووالله لن، فإن الدنيا ستفنى من الكل، ستفنى، الكل سيذهب، الكل سيلقى ربه، ما منكم من أحد إلا وسيكلمه ربه، ليس بينه وبينه ترجمان، فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر أمامه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه.

اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل، اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى، نسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين، اللهم إذا أردت بعبادك فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين، اللهم أصلح أحوال المسلمين، اللهم بين قلوبهم، اللهم أصلح ذات بينهم، اللهم اهدهم سبل السلام، اللهم أخرجهم من الظلمات إلى النور، نسألك اللهم رحمة تهدي بها قلوبنا، وتجمع بها شملنا، وتلم بها شعثنا، وتصلح بها ديننا، وتدفع بها الفتن عنا، وتعصمنا بها من كل سوء يا سميع الدعاء.

اللهم فرج هم المهمومين، ونفس كرب المكروبين، واقض الدين عن المدينين، واشف مرضانا ومرضى المسلمين، وارحم موتانا أجمعين، وفك أسرى مأسورين، وفرج عن عبادك المسجونين، ووسع على عبادك المقلين، اللهم صب علينا الخير صبًا صبًا، ولا تجعل عيشنا كدًا، وافتح علينا من بركات السماء وخزائن الأرض.

اللهم إنا نسألك لإخواننا في غزة صبرًا جميلًا، وفرجًا قريبًا، اللهم أطعمهم من جوع، وآمنهم من خوف، اللهم كن لهم ناصرًا ومعينًا، اللهم انصر إخواننا المجاهدين في غزة، اللهم ثبت أقدامهم، اللهم قوي شوكتهم، اللهم اجمع كلمتهم، اللهم سدد رميتهم، اللهم احفظهم من بين أيديهم ومن خلفهم، وعن أيمانهم وعن شمائلهم، ومن فوقهم، ونعيذهم بعظمتك أن يغتالوا من تحتهم.

اللهم أطفئ نار الحرب في السودان، اللهم عجل فرج أهل السودان، اللهم أحسن خلاصهم، اللهم فك أسرهم، اللهم انصر المجاهدين في السودان، وكن لهم نصيرًا ومعينًا يا رحمن.

اللهم آب لأهل الشام أمر رشد، يعز فيه وليك، ويذل فيه عدوك، ويؤمر فيه من معروف، وينهى فيه عن المنكر يا سميع الدعاء.

اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، وارفع لهم في الحياة وبعد الممات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات.

اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى جميع المرسلين، واقم الصلاة.

فتنة المال

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى