حكم الشرع في الشواذ
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.
فالسؤال يتعلق بأربع مسائل: أولها حكم الإسلام فيمن يمارس الشذوذ، وثانيها: حكم صلة الرحم مع هذا الرجل الشاذ إن كان رحما، وثالثها: افتراض أن جميع أهل الزوج قد تفشى فيهم هذا المرض، رابعها: هل يجوز منع الزوج من اصطحاب الأطفال إلى أهله؟
أما المسألة الأولى فقد أجمع المسلمون على تحريم اللواط وأنه من كبائر الذنوب؛ استدلالاً بالأحاديث المتواترة في تحريمه ولعن فاعله؛ ثم اختلفوا في عقوبته فالذي عليه جماهير أهل العلم من الصحابة والتابعين والأئمة مالك والشافعي وأحمد أن حكمه القتل؛ استدلالاً بما رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه والحاكم والبيهقي عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم “من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به” قال ابن حجر: رجاله موثوقون. وبما رواه أبو داود عن سعيد بن جبير ومجاهد عن ابن عباس “في البكر يوجد على اللوطية يرجم” وأخرج البيهقي عن علي رضي الله عنه لوطياً. فقال الشافعي: وبهذا نأخذ يرجم اللوطي محصناً كان أو غير محصن، وأخرج البيهقي أيضاً عن أبي بكر أنه جمع الناس في حق رجل ينكح كما ينكح النساء؛ فسأل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن ذلك؛ فكان أشدهم يومئذ قولاً علي بن أبي طالب رضي الله عنه؛ قال: هذا ذنب لم تعص به أمة من الأمم إلا أمة واحدة صنع الله بها ما قد علمتم نرى أن نحرقه بالنار. فاجتمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على أن يحرقه بالنار فكتب أبو بكر إلى خالد بن الوليد يأمره أن يحرقه بالنار. وأخرج البيهقي أيضا عن ابن عباس أنه سئل عن حد اللوطي فقال يُنظر أعلى بناء في القرية فيرمى به منكسا ثم يتبع الحجارة.. والظاهر من هذه الروايات أنهم متفقون على قتله لكنهم مختلفون في كيفية قتله. هل بالسيف أم يُلقى من أعلى بناء في البلد أو يُلقى عليه حائط أو يرجم بالحجارة حتى يموت أو يحرق بالنار؟؟
قال الشوكاني رحمه الله تعالى: وما أحق مرتكب هذه الجريمة ومقارف هذه الرذيلة الذميمة بأن يعاقب عقوبة يصير بها عبرة للمعتبرين، ويعذب تعذيبا يكسر شهوة الفسقة المتمردين؛ فحقيق بمن أتى بفاحشة قوم ما سبقهم بها من أحد من العالمين أن يصلى من العقوبة بما يكون في الشدة والشناعة مشابهاً لعقوبتهم وقد خسف الله تعالى بهم واستأصل بذلك العذاب بكرهم وثيبهم.ا.هــــــــــــــــ
وذهب أبو حنيفة والشافعي في قول له إلى أنه يعزَّر اللوطي لأنها جريمة لا تشتهيها الفطرة السوية ولا الطبع النقي؛ وقد أخذ القانون الجنائي السوداني لعام 1991 بهذا القول فنص في المادة 148/أ على أن من يرتكب جريمة اللواط يعاقب بالجلد مائة جلدة كما تجوز معاقبته بالسجن مدة لا تجاوز خمس سنوات. وفي المادة 148/ب إذا أدين الجاني للمرة الثانية يعاقب بالجلد مائة جلدة وبالسجن مدة لا تجاوز خمس سنوات. وفي المادة 148/ج إذا أدين الجاني للمرة الثالثة يعاقب بالإعدام أو السجن المؤبد.
وأما المسألة الثانية فالواجب بذل النصح لهذا الرجل وتخويفه بالله مع المباعدة بينه وبين من يخاف عليهم من الأطفال اتقاء لشره وقطعاً لدابر فساده، فإن لم يرتدع فالواجب تخويفه بالشرطة والقانون وافتضاح أمره وذيوع خبره مع ما في ذلك من المهانة والخزي في الدنيا والآخرة، ويكون هذا التخويف عن طريق طرف ثالث لا عن طريق ولده ولا زوجة ولده.
وفي الوقت نفسه على ولده أن يبره ويحسن إليه ما استطاع؛ عملاً بقوله تعالى {وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا}
وأما افتراض السائلة بأن جميع أهل الزوج كذلك؛ فهو مجرد ظن وقد قال الله تعالى {اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم} وقال النبي صلى الله عليه وسلم “إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث” رواه الشيخان، والواجب حمل حال المسلمين على السلامة حتى يبدو ما هو خلاف ذلك، ودخولهم عليك بلا استئذان قد يكون جهلاً منهم بالحكم الشرعي أو جرياً على ما اعتادوه بين أهلهم وذويهم من تقاليد تخالف الشرع، لكن ذلك لا يلزم منه اتهامهم باقتراف تلك الفاحشة المقيتة التي وقع فيها ذلك الجد الظالم لنفسه. فالواجب عليك التوبة إلى الله من هذا الظن السيئ وعدم التمادي فيه.
ولا يجوز لك تحريض زوجك على عدم اصطحاب أطفالكما لزيارة أهله، بل الواجب حضه على صلة رحمه والإحسان إليهم، مع الاحتياط لعرض أطفالكم بأن تكون هذه الزيارات قصيرة وعلى فترات متباعدة، مع الحرص على وجودهم بين أبويهم أو أحدهما حال الزيارة، والله الموفق والمستعان.