لا شك بأننا نعلم بأن الذين أدوا إلينا الدين هم الصحابة رضوان الله عليهم،
لكن من خلال قراءتي وجدت أنه وقعت بينهم خلافات بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، أريد أن أعرف ما حقيقة وأنواع هذه الخلافات؟ هل هي خلافات دينية أم سياسية فقط؟ وكيف نرد على من يقول: إنهم هم من نقلوا الدين فهل سلم النقل من هذه الخلافات؟
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.
فقد تواترت نصوص الشرع بالثناء على الصحابة الكرام عليهم من الله الرضوان، كقوله تعالى {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} وقوله جل جلالـه {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} وقوله سبحانه {لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِير} مع قول النبي صلى الله علـيه وسلم (خيركم قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم) وقوله صلى الله علـيه وسلم (لا تسبوا أصحابي؛ فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه) بالإضافة إلى النصوص الواردة في فضل بعضهم تخصيصاً مما تجده في كتب المناقب والفضائل.
ولا يعني ذلك أنهم معصومون بل هم رضوان الله عليهم بشر يصيبون ويخطئون، وليست العصمة لأحد من هذه الأمة بعد رسول الله صلى الله علـيه وسلم، فقد يقع الخطأ من الصحابي أو من عدد من الصحابة، لكن الممنوع هو اجتماعهم على الخطأ لقول النبي صلى الله علـيه وسلم (إن الله تعالى لا يجمع أمتي على ضلالة).
ونصوص القرآن والسنة هي الأصل الذي نستمسك به ونعض عليه؛ لأن الهداية مقرونة بالتمسك بهما وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام (تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا: كتاب الله وسنتي) أما روايات كتب التاريخ فإنها كثيرة متضاربة، وقد دخلها الكذب والاختلاق؛ فالموفَّق من عباد الله هو من يرجع إلى الأصلين الشريفين أعني الكتاب والسنة ويدع ما سواهما مما يعارضهما أو يعارض أحدهما.
وهؤلاء الطاعنون في الصحابة الكرام إنما يريدون بذلك هدم الدين؛ لأن القرآن حق والسنة حق، وقد نقلهما إلينا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسـلم؛ فمتى ما حصل الطعن في المخبر حصل الطعن في الخبر، وبذا يهدمون الدين كله؛ كما قال كما قال أبو زرعة الرازي رحمه الله: ((إذا رأيت الرجلَ ينتقصُ أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسـلم فاعلم أنَّه زنديقٌ؛ وذلك أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسـلم عندنا حقٌّ والقرآن حقٌّ، وإنَّما أدَّى إلينا هذا القرآنَ والسننَ أصحابُ رسول الله صلى الله عليه وسـلم، وإنَّما يريدون أن يجرحوا شهودَنا ليُبطلوا الكتاب والسنَّة، والجرحُ بهم أولى، وهم زنادقةٌ))، ثم إنهم ضالون تائهون حين يعرضون عن نصوص القرآن القطعية التي زكت الصحابة رضي الله عنهم وبينت عدالتهم وشرفهم وصدق ديانتهم ويتعلقون بروايات تاريخية مكذوبة يسردها الكذابون من أمثال أبي مخنف لوط بن يحيى ومن كان على مشربه من الإخباريين، وقد بذل لهم النصح أحد أئمة الزيدية وهو الإمام العلامة الفذ محمد بن علي الشوكاني رحمه الله تعالى في رسالته القيمة (إرشاد الغبي إلى مذهب أهل البيت في صحب النبي) بعدما نقل إجماع أهل البيت من اثني عشر طريقاً على تحريم سب الصحابة رضي الله عنهم، وتحريم التكفير والتفسيق لأحد منهم، قال رحمه الله تعالى: ((فيا من أفسد دينه بذم خير القرون، وفعل بنفسه ما لا يفعله المجنون! إن قلت: اقتديت في سبهم بالكتاب العزيز. كذبت في هذه الدعوى؛ من كان له في معرفة القرآن أدنى تبريز، إنه مصرح لأن الله جل جلاله قد رضي عنهم، ومشحون بمناقبهم، ومحاسن أفعالهم ومرشد إلى الدعاء لهم، وإن قلت: اقتديت بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم المطهرة قام في وجه دعواك الباطلة ما في كتب السنة الصحيحة من مؤلفات أهل البيت وغيرهم من النصوص المصرحة بالنهي عن سبهم وعن أذية رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك وأنهم خير القرون، وأنهم من أهل الجنة، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم مات وهو راض عنهم وما في طي تلك الدفاتر الحديثية من ذكر مناقبهم الجمة كجهادهم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وبيعهم نفوسهم وأموالهم من الله ومفارقتهم الأهل والأوطان والأحباب والأخدان طلباً للدين وفراراً من مساكنة الجاحدين وكم يعدُّ العادُّ من هذه المناقب التي لا تتسع له إلا مجلدات. ومن نظر في كتب السير والحديث عرف من ذلك ما لا يحيط به الحصر وإن قلت أيها الساب لخير هذه الأمة من الأصحاب: إنك اقتديت بأئمة أهل البيت في هذه القضية الفظيعة، فقد حكينا لك في هذه الرسالة إجماعهم على خلاف ما أنت عليه من تلك الطرق.ا.هــــــــــــــ.
ثم إن الخلافات التي كانت بين الصحابة رضوان الله عليهم ما كانت في أصول الدين، بل إما في أمور فرعية هي مظنة الاجتهاد، وإما في أمور دنيوية تعارضت فيها وجهات النظر، وهم ما بين مصيب له أجران ومخطئ له أجر واحد، ولا تأثير لتلك الخلافات فيما نقلوه لنا من كتاب ربنا جل جلالـه وسنة نبينا صلى الله علـيه وسلم، يدلك على ذلك إجماعهم على القرآن سورة سورة وآية آية وكلمة كلمة، وكذلك رجوعهم إلى السنة متى ما ثبتت عندهم، ويعرف ذلك من تتبع سيرتهم وعرف هديهم رضي الله عنهم، والله الموفق والمستعان.