الفتاوى

  • صلاة النساء بجانب الرجال في الحج

    عند الزحام في الحج تختلط صفوف الرجال والنساء حتى قد يصلي الرجل وعن يمينه امرأة وأمامه امرأة، فهل هذا يقدح في صلاته؟

    الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.

    فالواجب أن تتمايز صفوف الرجال عن صفوف النساء في الصلاة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصف الرجال خلفه ثم النساء خلف الرجال؛ لكن لما كان الزحام في الحج شديداً ولعل بعض الناس يخاف على من معه من النسوة الضياع فنرجو ألا حرج إن شاء الله في صلاتهم على الصفة المذكورة، والله تعالى أعلم.

  • حكم قتل الذباب في مِنى

    قتلت ذباباً في منى من غير حاجة وبعض الزواحف المؤذية، فهل في ذلك بأس؟

    الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.

    فلا حرج في قتل ما كان مؤذياً من الدواب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الحية والحدأة والغراب والكلب العقور والفأرة، والجامع بينها هو الأذى، والله تعالى أعلم.

  • قطع بعض الزرع في مكة

    قطعت بعض الزرع الذي يزين الطرقات في مكة فهل علي شيء؟

    الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.

    فقد ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في مكة {لا يعضد شجرها} وقد اتفق العلماء قطع ما لا يستنبته الآدميون ـ أي ما نبت بنفسه، وأما ما كان نابتاً بفعل آدمي فالجمهور على جواز قطعه؛ كما نقل ذلك القرطبي رحمه الله تعالى، لكن ينبغي أن تعلم أن هذا القطع مأذون فيه للمصلحة كما لو كان بقاؤه مؤذياً أو كان القاطع بحاجة إلى استعماله في بعض شأنه، أما مجرد القطع عبثاً فهو من الفساد في الأرض، والله لا يحب المفسدين، فعليك بالتوبة والاستغفار إذاً، والله تعالى أعلم.

  • لبس الحزام والشنطة للمُحرم

    هناك بعض لباسات الإحرام لها مطاط عند الخصر وبعض الأحزمة بها خيوط، فهل هي من المخيط المحظور؟ وما حكم الشنطة المخيطة التي يحملها الحجاج؟

    الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.

    فلا حرج على المحرم في أن يربط على خصره حزاماً أو شنطة يحفظ فيها أوراقه ونقوده، وليست هي من قبيل المخيط المحظور، بل المحظور هو لبس المخيط الذي فصل على أجزاء البدن ولبس على صفته المعهودة كجلباب وسروال وقميص وفانلة وجورب وقلنسوة ونحو ذلك. قال النووي رحمه الله في المجموع: وله ـ أي المحرم ـ أن يتقلد المصحف وحمائل السيف وأن يشد الهميان والمنطفة في وسطه ويلبس الخاتم ولا خلاف في جواز هذا كله. وهذا الذي ذكرناه في المنطقة والهميان مذهبنا وبه قال العلماء كافة إلا ابن عمر.. ولا يتوقف التحريم على المخيط بل سواء المخيط وما في معناه وضابطه أنه يحرم كل ملبوس معمول على قدر البدن أو قدر عضو منه  بحيث يحيط به بخياطة أو غيرها.أ.هـ  ومثله لو لبس المحرم نعلاً فيه خيط فلا حرج في ذلك؛ لأن النبي e لم يمنع المحرم من شيء ينتعله سوى الخفين، والله تعالى أعلم.

  • جَبَنَة مِنى

    عندنا في قريتنا لا بد لكل حاج أن يشرب القهوة في منى بعد التحلل ويسمونها (جبنة منى) وعندما يريدون أن يدعوا لأحد بالحج يقولون له: تشرب جبنة منى. فهل لهذا أصل؟

    الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.

    فليس لقهوة منى مزية أو فضيلة، حتى يدعو الداعي لغيره بشربها، بل هي من المباحات التي يستوي فعلها وتركها، وليس لفاعلها أجر ولا عليه وزر إلا بحسب ما يقترن بفعله من نية صالحة، ولعل الداعين بتلك الدعوة يقولونها على سبيل الفأل الحسن، والله تعالى أعلم.

  • حلق لحيته في مِنى

    ما حكم من يحلق شعره في منى ليتحلل، ثم يتبعها بحلق لحيته ـ لمزيد من النظافة والفرحة ـ كما يظن؟ وما حكم من يحلق له أو يوصيه بالحلق؟

    الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.

    فلا يجوز للرجل المسلم حلقُ لحيته وعلى هذا نصَّ العلماء رحمهم الله تعالى؛ ففي حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 1/90 قال: تنبيه: يحرم على الرجل حلق لحيته أو شاربه ويؤدَّب فاعل ذلك.أ.هـ وقال الحطاب في مواهب الجليل 1/217: وحلق اللحية لا يجوز وكذا الشارب وهو مثلة وبدعة، ويؤدَّب من حلق لحيته أو شاربه إلا أن يريد الإحرام بالحج ويخشى طول شاربه أ.هـ

    وقال الكاساني الحنفي في بدائع الصنائع 2/141: وحلق اللحية مثلة أ.هـ ومثله قاله الزيلعي الحنفي في تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق 2/39

     ونقل ابن حجر الهيتمي الشافعي رحمه الله في تحفة المحتاج شرح المنهاج 9/377 أن الشافعي رحمه الله تعالى نصَّ في كتاب الأم على تحريم حلق اللحية، قال الزركشي وكذا الحليمي في شعب الإيمان وأستاذه القفال الشاشي في محاسن الشريعة وقال الأذرعي: الصواب تحريم حلقها جملة لغير علة بها.أ.هـ

    وقال المرداوي الحنبلي في الإنصاف1/122: قال ابن الجوزي في المُذهَب: ويحرم حلقها.أ.هـ

    وإذا كان هذا في حق كل مسلم فهو ألزم في حق الحاج الذي أكرمه الله بشهود المناسك والوجود في تلك العرصات، وليعلم أن النظافة والأناقة هي فيما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم} وكما أنه لا يجوز لمسلم حلق لحيته فلا يجوز له حلق لحية غيره لعموم قوله تعالى {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان} والله تعالى أعلم.

  • لبس الجوربين للمحرم

    هناك شيخ كبير في السن يعاني من مرض السكري؛ هل يجوز له لبس الشراب خوفاً من الجرح؟ وما العمل إذا اضطررنا إلى بعض المحظورات كتغطية الرأس من البرد؟

    الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.

    فقد ثبت في الصحيحين من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عما يلبس المحرم من الثياب؛ فقال {لا يلبس القمص ولا العمائم ولا السراويلات ولا البرانس ولا الخفاف؛ إلا أحد لا يجد نعلين فليلبس خفين وليقطعهما أسفل من الكعبين، ولا يلبس من الثياب شيئا مسه زعفران أو ورس} وللبخاري {ولا تنتقب المرأة، ولا تلبس القفازين} فعلم من الحديث أن المحرم ممنوع من تغطية رأسه بملاصق وممنوع من أن يلبس خفاً ويقاس عليه الجورب أو الشراب.

    ومن اضطر إلى شيء من ذلك لمرض أو برد أو نحوه فليفعل ما يزيل عنه الضرورة وليفد بذبح شاة تجزئ في الأضحية أو إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع من طعام أو صيام ثلاثة أيام؛ لقوله تعالى )فمن كان منكم مريضاً أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك( وقد أمر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم كعب بن عجرة رضي الله عنه كما في الصحيحين عنه قال: قال أتى عليَّ النبي صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية والقمل يتناثر على وجهي فقال {أيؤذيك هوام رأسك} قلت: نعم. قال {فاحلق وصم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين أو انسك نسيكة} والله تعالى أعلم.

  • يدخن السجائر ويتعاطى التمباك في المشاعر المقدسة

    ما حكم من يشرب السجائر ويتعاطى التمباك ـ عافانا الله ـ في المناسك كمنى وغيرها؟

    الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.

    فلا يجوز لمسلم أن يتعاطى التمباك والتبغ بجميع أنواعه ـ سيجارة أو سيجاراً أو غليوناً أو شيشة أو سفَّة ـ لا في المشاعر المقدسة ولا في غيرها من بلاد الله، محرماً كان أو غير محرم، موسراً كان أو غير موسر، ولا يجوز له الاتجار به ولا الإعانة في ذلك كله؛ لأدلة شرعية معتبرة منها:

    1ـ قول الله تعالى في وصف نبيه محمد صلى الله عليه وسلم )يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحلُّ لهم الطيبات ويحرِّم عليهم الخبائث( والعقلاء متفقون على كون الدخان خبيثاً في شكله وريحه وأثره

    2ـ قوله تعالى {ولا تقتلوا أنفسكم} وقد ثبت ـ طباً ـ أن تناول الدخان سبب لأمراض مستعصية تؤول بصاحبها إلى الموت مثل السرطان وتصلب الشرايين وأمراض القلب؛وقد ورد في إحصائيات منظمة الصحة العالمية أن التبغ يقتل سنوياً أكثر من أربعة ملايين شخص في العالم؛ فيكون متناوله قد تعاطى سبب هلاكه

    3ـ قوله تعالى {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} قال صاحب المنار رحمه الله تعالى: قال بعضهم: يدخل فيه الإسراف الذي يوقع صاحبه في الفقر المدقع، فهو من قبيل )وكلوا واشربوا ولا تسرفوا( المنار2/213

    4ـ قوله تعالى {وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين} ووجه الدلالة من الآية أن الله تعالى نهى عن الإسراف في المباحات بمجاوزة الحد في تعاطيها، فمن باب أولى يكون النهي عن صرف المال فيما لا نفع فيه. قال الإمام أبو محمد بن حزم في المحلى: مسألة 1027: السرف حرام وهو:

    • النفقة فيما حرم الله تعالى قَلَّت أو كثرت ولو أنها قدر جزء من جناح بعوضة
    • أو التبذير فيما لا يحتاج إليه ضرورة، مما لا يبقى للمنفق بعده غنى
    • أو إضاعة المال وإن قلَّ برميه عبثاً

    ومتعاطي الدخان قد تناوله كلام الإمام ابن حزم رحمه الله لكونه ينفق فيما حرَّم الله تعالى ويضيع المال بإحراقه عبثاً في غير فائدة.

    5ـ قوله تعالى )ولا تبذر تبذيراً إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين( وإنفاق المال في الدخان تبذير من حيث كونه إفساداً

    ومن أدلة السنة المطهرة:

    1ـ قوله صلى الله عليه وسلم {وأنهاكم عن ثلاث: قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال} رواه البخاري. وإنفاق المال في الدخان إضاعة له لأنه صرف له فيما لا فائدة فيه

    2ـ قوله صلى الله عليه وسلم {لا ضرر ولا ضرار} أخرجه الإمام أحمد وغيره وهو في صحيح الجامع (7517) فثبت أن كل ما غلب ضرره على نفعه فتناولُه حرام، وتناول الدخان موجب للضرر بمتناوله ومن يحيطون به من زوج وعيال وزملاء.

    3ـ روى الإمام أحمد وأبو داود عن أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم {نهى عن كل مسكر ومفتِّر} قال العلماء: المفتِّر: ما يورث الفتور والخدر في الأطراف، وهذا الأثر يحدث لمتعاطي الدخان خاصة في أول أمره

    ومن النظر الصحيح:

    • تناول الدخان يهدم بعض الكليات التي جاءت الشريعة بالمحافظة عليها وهي النفس والمال
    1. شارب الدخان إن فَقَدَه ضاق صدره وكثرت عليه البلابل والأفكار ولا ينشرح صدره إلا بالعودة إلى شربه
    2. شارب الدخان يستثقل الصوم جداً؛ لأنه حرمان له من شربه بعد طلوع الفجر إلى غروب الشمس، فيكون الصوم مكروهاً لديه
    3. ما يصحب هذا الشيء الخبيث من نتن الرائحة المؤذية لمن يحيطون بمن يتناوله

    وأما التمباك فإن الأدلة التي مضى ذكرها تتناوله بالتبع إضافة إلى أنه قد ثبت طباً أن التمباك سبب في الإصابة بسرطان اللثة القاتل كما أنه مستقذر يستقبحه الذوق السليم فلا يجوز تناوله ولا الاتجار فيه ولا الإعانة عليه.

    وإذا كان ذلك كذلك فإن الإثم المترتب على متعاطي الدخان والتمباك في المشاعر المقدسة والأماكن الفاضلة ـ كمكة ومنى وعرفات ومزدلفة والمدينة ـ أعظم؛ لكونه قد آذى إخوانه حجاج البيت الحرام وزوار مدينة المصطفى عليه الصلاة والسلام، ثم إنه لم يعظِّم شعائر الله ولم يرع لتلك البلاد حرمتها وقد قال سبحانه {ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب} فالواجب على الحاج أن يجعل من وجوده في تلك البقاع الطاهرة سبباً للإقلاع عن كثير من عاداته السيئة ومن بينها تعاطي الدخان والتمباك، والله تعالى أعلم.

  • يحج وهو مصر على المعاصي

    ما حكم من يذهب إلى الحج وهو مصر على بعض المعاصي ثم حج عليها ويأتي وهو ما زال مصراً عليها؟

    الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.

    فالمطلوب من الحج أن يستقبل حجته بتوبة نصوح من جميع الذنوب والمعاصي حتى يرد على الله في بيته المحرم وهو نقي طاهر، ويكون ذلك أدعى لقبول حجه ومغفرة ذنبه، أما من حج عاصياً ثم رجع مصراً على معصيته فهذه ـ عياذاً بالله ـ من علامات الخذلان وعدم التوفيق، وقد قال أهل العلم: إن الحج المبرور هو المقبول، ومن علامة قبوله أن يرجع خيراً مما كان، ولا يعاود المعاصي، وقد حكم النبي صلى الله عليه وسلم على من أسلم وأحسن أن الله تعالى يغفر له ما كان من إساءة في الجاهلية، أما من أساء بعد إسلامه فإنه يؤخذ بما كان فيما مضى؛ روى ابن ماجه من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قلنا يا رسول الله: أنؤاخذ بما كنا نعمل في الجاهلية؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم {من أحسن في الإسلام لم يؤاخذ بما كان في الجاهلية ومن أساء أخذ بالأول والآخر} فكذلك من حج ولم يقلع عما كان من عصيان فإنه يؤاخذ بالأول والآخر، والله تعالى أعلم.

  • الحج المبرور

    فضيلة الشيخ: قال النبي صلى الله عليه وسلم {الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة} فهل معنى هذا الحديث أن الله سيغفر للحاج في المستقبل ذنوبه مهما يفعل؟

    الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.

    فهذا الحديث رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، والحج المبرور قيل: هو الذي لا يخالطه إثم مأخوذ من البر وهو الطاعة، وقيل: هو المقبول، ومن علامة قبوله أن يرجع خيراً مما كان، ولا يعاود المعاصي، وقيل: هو الذي لا رياء فيه، وقيل: الذي لا يعقبه معصية، وروى الإمام أحمد في المسند من حديث جابر رضي الله عنه: قيل: يا رسول الله ما برُّ الحج؟ قال {إطعام الطعام وإفشاء السلام} فلكي يكون الحج مبروراً لا بد فيه من إخلاص النية أولاً، ثم الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في المناسك ثانياً، وكف الأذى عن المسلمين ثالثاً.

    وليس معنى الحديث أن الله قطع على نفسه عهداً بأن يغفر للحاج في مستقبل أيامه سائر ذنوبه مهما فعل، بل لا بد من إحداث توبة من الذنب إذا حصل، وليس للإنسان ـ مهما فعل من صالحات ـ حصانة تخوله ارتكاب الذنوب فيما بقي من عمره، والعلم عند الله تعالى.

زر الذهاب إلى الأعلى