الفتاوى

  • غسل اطباق لحم الخنزير

    أنا أعيش في هولندا وهنالك العمل في المطاعم أي غسيل الأطباق والأواني وهم يأكلون الخنزير ويستعملون زيته؛ هل العمل في هذا النوع حلال أم حرام؟

    الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.

    فلا يجوز للمسلم الإقامة في ديار الكفر؛ لحديث النبي صلى الله عليه وسلم {أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين}رواه الترمذي وأبو داود، وروى الترمذي من حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال  {لا تساكنوا المشركين ولا تجامعوهم فمن ساكنهم أو جامعهم فهو مثلهم} فاتق الله في نفسك وارأف بحالك حيث لا تستطيع كسباً حلالاً بل أنت بين خمر وخنزير وزنا وخنا مما لا يطيب لك معه عيش ولا يهنأ لك بال، وأرض الله واسعة، ومن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه.

    ولا يجوز لك العمل في غسل الأطباق بمطعم يقدم للناس لحم خنزير؛ لأن هذا من التعاون على الإثم والعدوان وقد قال ربنا تبارك وتعالى {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان} والكسب الناتج عن هذا العمل كسب حرام، والعلم عند الله تعالى.

  • طفل لا يحمل اسم والده بسبب الإقامة في الغرب

    شخص متزوج ويعيش في أوروبا، هذا الشخص طالب وتزوج في السودان، واستطاع أن يأتي بزوجته إلى الغرب؛ وبما أن الإقامة محددة لفئات معينة طلبت الزوجة حق اللجوء السياسي، ولديهم الآن طفل، ولكن هذا الطفل يحمل اسم عائلة والدته لا اسم والده؛ علماً بأنهم يعيشون سوياً حتى الآن، وسؤالي: هل يجوز أن يحمل الطفل اسماً غير اسم والده؟

    الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.

    أولاً: أنصح الأخ السائل بأن ينتقل إلى بلاد الإسلام متى ما انتهى من طلب العلم الذي سافر من أجله، وألا يتمادى في الإقامة بأوروبا لما في ذلك من خطر على دينه؛ وأذكِّره بقول النبي صلى الله عليه وسلم {أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين}رواه الترمذي وأبو داود، وروى الترمذي من حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال  {لا تساكنوا المشركين ولا تجامعوهم فمن ساكنهم أو جامعهم فهو مثلهم}

    ثانياً: طلب الزوجة اللجوء السياسي بتلك البلاد لا شك أنه استلزم كذباً وإخباراً بغير الواقع فعليه وزوجته التوبة إلى الله تعالى مما فعلا؛ إذ الكذب حرام وقبيح، وليس من خصال المؤمنين؛ كما قال عليه الصلاة والسلام {يطبع المؤمن على الخلال كلها إلا الخيانة والكذب} رواه أحمد

    ثالثاً: لا تجوز نسبة الولد إلى غير أبيه؛ لقوله تعالى {ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله} ولما نزلت هذه الآية دعي زيد بن حارثة رضي الله عنه إلى أبيه بعدما كان يدعى زيد بن محمد، والواجب على أبي الطفل أن يعمد إلى إثبات النسب الحقيقي لابنه وذلك بمجرد عودته إلى السودان، والله تعالى أعلم.

  • لا أستطيع قراءة القرآن

    أنا طالب أدرس بالجامعة؛ مشكلتي أنني لا أستطيع قراءة القرآن، وإذا قرأته لا أستطيع أن أنام ثلاثة أيام؛ فأنا منذ خمسة أعوام لم أفتح مصحفاً، أفدنا أفادك الله…

    الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.

    فأسأل الله لك شفاء عاجلاً غير آجل وأن يصرف عنك شر كل ذي شر هو أخذ بناصيته، واعلم أيها الفاضل أنه لا يجوز للمسلم أن يهجر تلاوة القرآن، بل الواجب عليه تعاهده؛ عملاً بقوله تعالى {ورتل القرآن ترتيلا} وحذراً من أن يكون ممن قال فيهم ربنا جل جلاله {وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا} والواجب عليك مجاهدة نفسك في ذلك؛ لأن هذا الذي يحدث لك إنما هو من الشيطان وقد يعرض لك في صلاتك فيؤرقك مثلما عرض لك عند تلاوة القرآن فمنعك النوم، وهذا الذي تعاني منه قد عانى منه بعض الصحابة رضوان الله عليهم فاستعن بالله ولا تعجز، واشرع في علاج نفسك باستعمال الرقية الشرعية خاصة عند النوم، وذلك بأن تجمع كفيك وتنفث فيهما بالإخلاص والمعوذتين وتمسح بهما ما استطعت من جسدك، تفعل ذلك ثلاث مرات، وتقرأ آية الكرسي وخواتيم البقرة؛ لعل الله تعالى يذهب عنك ما تجد، والله تعالى أعلم.

  • هل ثعلبة بن حاطب صحابي؟

    قال تعالى {ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين} هل ثعلبة هذا صحابي؟

    الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.

    فقوله تعالى في سورة التوبة {ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين * فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون * فأعقبهم نفاقاً في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون} قد اشتهر عند كثير من الناس أن هذه الآيات نزلت في شأن ثعلبة بن حاطب الأنصاري؛ لكن الواجب على كل مسلم أن يعلم أن ثعلبة بن حاطب رضي الله عنه صاحبي جليل من أهل بدر، وأهل بدر ليس فيهم منافق، بل هم من المؤمنين الخلص، وما ظهر النفاق إلا بعد أن نصر الله عباده المؤمنين في بدر.

    قال الإمام أبو عبد الله القرطبي رحمه الله تعالى: وثعلبة بدري أنصاري وممن شهد الله له ورسوله بالإيمان، فما روي عنه غير صحيح، قال أبو عمر ـ يعني ابن عبد البر ـ ولعل قول من قال في ثعلبة أنه مانع الزكاة الذي نزلت فيه الآية غير صحيح، والله أعلم. وقال الضحاك: إن الآية نزلت في رجال من المنافقين نبتل بن الحارث وجد بن قيس ومعتب بن قشير. قال القرطبي: وهذا أشبه بنزول الآية فيهم؛ إلا أن قوله {فأعقبهم نفاقاً} يدل على أن الذي عاهد الله لم يكن منافقاً من قبل، إلا أن يكون المعنى: زادهم نفاقاً ثبتوا عليه إلى الممات، وهو قوله تعالى {إلى يوم يلقونه}.أ.هـ

    ولو كانت الآية نازلة في شأن رجل يقال له ثعلبة فهو غير ثعلبة بن حاطب الأنصاري  رضي الله عنه كما قال   العلامة الطاهر بن عاشور رحمه الله تعالى: وقد عُدَّ ـ يعني ثعلبة ـ فيمن شهد بدراً، فيحتمل أن تكون الموافقة في الاسم.أ.هـ والعلم عند الله تعالى.

  • حكم الإنتماء لجماعة الإخوان المسلمين وقراءة كتب سيد قطب

    الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.

    أولاً: الانتماء إلى جماعة الإخوان المسلمين أو جماعة التبليغ إذا كان بغرض الدعوة إلى الله تعالى والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والقيام لنصرة دين الله عز وجل عمل مبرور وفعل مشكور، داخل تحت القواعد الشرعية العامة الآمرة بالاجتماع على الخير والتعاون على البر والتقوى؛ كقوله صلى الله عليه وسلم {يد الله على الجماعة} رواه النسائي، وقوله صلى الله عليه وسلم {فعليكم بالجماعة فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية} رواه النسائي وأبو داود، والواجب على هذا المنضوي تحت لواء الجماعة أن تأخذه الحمية للدين لا للجماعة، وأن لا يمنعه انتماؤه من محبة عامة المسلمين ممن ليسوا معه في جماعته، وإحسان الظن بهم واعتبارهم إخواناً له، وأن يتواصى مع جماعته بالحق والصبر، فلا يكون موافقاً للجماعة في الخير والشر والخطأ والصواب، بل يتبع الحق أينما كان ويأمر به ويدعو إليه، وقد أجرى الله على يد هاتين الجماعتين ـ مثلما أجرى على يد غيرهما من الجماعات العاملة في الدعوة إلى الله ـ خيراً كثيراً، وكانتا سبباً في هداية فئام من الناس جزاهم الله خيراً، ولم يُعرف عن الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى الحكم على هاتين الجماعتين بأنهما من الفرق الهالكة، ولم يُنقل عنه ولا عن غيره من أهل العلم المعتبرين في ذلك فتوى محررة، بل المعروف عن الشيخ ـ رحمه الله ـ خلاف ذلك، والمنقول عنه في فتاوى اللجنة الدائمة غير الذي قيل في السؤال، وعلى السائل الرجوع إلى (فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء) يجد فتاوى ممهورة بتوقيع الشيخ رحمه الله فيها بيان أن جماعة التبليغ وجماعة الإخوان المسلمين من الفرقة الناجية، وذلك في المجلد الثاني صفحة/234ـ 236ـ 237ـ 238 وقد كان رحمه الله تعالى من أعفِّ الناس لساناً وأكثرهم ورعاً في الحديث عن إخوانه المسلمين، حتى من يخالفونه الرأي، وظنُّنا بمن نقل عن الشيخ مثل هذا الكلام أنه يكذب عليه ولا يتقي الله فيما يقول؛ إذ المعلوم لدى صغار طلبة العلم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجعل الألقاب التي اشتهرت بها الطوائف المنتسبة للإسلام سمات تعرف بها الفرق الثنتان والسبعون، وإنما جعل أمارتها مفارقة الكتاب والسنة وإجماع الصحابة رضوان الله عليهم؛ اتباعاً للظن وما تهوى الأنفس، وقولاً على الله بغير علم.

    ثانياً: مؤلفات الأستاذ سيد قطب رحمه الله تعالى قد حوت خيراً كثيراً وعلماً غزيراً وعاطفة جياشة في الدفاع عن الإسلام أمام غارات الملاحدة والعلمانيين، خاصةً في قضايا الحكم بما أنزل الله وبيان محاسن الإسلام والرد على منتقديه من شياطين الإنس دعاة الضلالة، وما هو بالمعصوم، بل هو كغيره من أهل العلم والفضل لا يسلم من الخطأ، لكن خطأه في بحر فضله مغمور، حيث كانت له ـ رحمه الله ـ مواقف وأقوال وكتابات تنبئ أنها صادرة عن قلب مليء بحب الله وحب رسوله صلى الله عليه وسلم وحب الإسلام وأهله، وقد أفضى إلى ما قدم، وليس من الدين ولا من الأدب ولا من الإنصاف أن يتتبع بعض الناس عثراته فيشيعونها في كل مجلس، وينسون حسناته وفضائله فيسترونها ويغمطون الرجل حقه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم {الكبر بطر الحق وغمط الناس} رواه مسلم من حديث ابن مسعود رضي الله عنه.

    والخلاصة أن الرجل من الدعاة الذين ظهر صدقهم في الدعوة ونصرتهم للدين وغيرتهم على محارمه، ونحسبه مات شهيداً في سبيل كلمة الحق والله حسيبه، وإن كانت له أخطاء في بعض كتبه ـ شأن عامة من كتب وألَّف ـ فإنه لا يتابع عليها ولا يُقلَّد فيها ولا يُشنَّع عليه بها، وإنما يُبيَّن الحق من الباطل، والصواب من الخطأ بالحجة والبرهان. مع الانتباه إلى أن مثل هذه الأخطاء مغمورة إلى جانب حسناته العظيمة في بيان معاني كتاب الله عز وجل وتجلية الحق لطالبيه في عصر قلَّ فيه من ينطق بالحق ويدعو إليه.

     وبذلك يتبيَّن أن القول بأن مؤلفات سيد قطب رحمه الله تعالى مؤلفات للبدع والانحرافات في العقيدة قول فيه من التجني وعدم الإنصاف والوقيعة في عرض رجل هو من خاصة المسلمين ودعاتهم ومجاهديهم شيء عظيم، وقائل هذا يحتاج إلى أن يُذكَّر بقول النبي صلى الله عليه وسلم {إن من أربى الربا الاستطالة في عرض المسلم بغير حق} رواه أحمد وأبو داود.

    وقد عُهد عنه رحمه الله تعالى الرجوع إلى الحق متى ما تبيَّن له، يلحظ ذلك كل من قرأ تفسير (الظلال) في طبعاته المختلفة وقارن بينها؛ حيث كان يُعمِل قلمه بالتصحيح الطبعة بعد الأخرى؛ كما هو دأب المخلصين المتجردين عن الهوى، وقد جعل الله له ولمؤلفاته القبول في قلوب خلقه؛ حيث حبَّب كتاب الله إلى قلوب عامة المسلمين، حتى نبتت هذه النابتة التي تتجنى وتكذب وتفتري ولا تستحي من الله ولا من الناس.

     هذا وقد أنصف سيداً رحمه الله تعالى من علماء الأمة الموثوقين وأئمتها المعدَّلين نفر كثير، ونكتفي هاهنا بالنقل عن واحد منهم، وهو العلامة الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد ـ حفظه الله ـ وهو عضو هيئة كبار العلماء بالسعودية ورئيس مجمع الفقه الإسلامي الدولي حيث قال عن سيد وذلك في معرض رده على بعض منتقديه {..فوجدت في كتبه خيراً كثيراً، وإيماناً مشرقاً، وحقاً أبلج، وتشريحاً فاضحاً لمخططات أعداء الإسلام على عثرات في سياقه، واسترسل بعبارات ليته لم يفُه بها، وكثير منها ‏ينقضها قوله الحق في مكان آخر، والكمال عزيز! والرجل كان أديباً نقادة، ثم اتجه إلى ‏خدمة الإسلام، من خلال القرآن العظيم، والسنة المشرَّفة وسخَّر قلمه ووقته، ودمه في ‏سبيلها، فشرق بها طغاة عصره! وأصر على موقفه في سبيل الله تعالى، وكشف عن ‏سالفته، وطلب منه أن يسطر بقلمه كلمات اعتذار! فقال كلمته المشهورة: إن أصبعاً ‏أرفعه للشهادة، لن أكتب به كلمة تضارها! أو كلمة نحو ذلك. والواجب على الجميع ‏الدعاء له بالمغفرة، والاستفادة من علمه، وبيان ما تحققنا خطأه فيه. وإن خطأه لا يوجب ‏حرماننا من علمه، ولا هجر كتبه. واعتبر ـ رعاك الله ـ حاله بحال أسلاف مضوا، أمثال ‏أبي إسماعيل الهروي، والجيلاني، وكيف دافع عنهما شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى مع ما لديهما من الطوام؛ لأن الأصل في مسلكهما: نصرة الإسلام والسنة. وانظر (منازل ‏السائرين) للهروي – رحمه الله تعالى- تر عجائب لا يمكن قبولها! ومع ذلك فابن القيم -‏رحمه الله تعالى- يعتذر عنه أشد الاعتذار، ولا يجرمه فيها، وذلك في شرحه (مدارج ‏السالكين).ا.هـ

    ثالثاً: لم يثبت عن سيد رحمه الله تعالى أنه لا يصلي الجمعة، أو أنه يرى أن صلاة الجمعة تسقط إذا سقطت الخلافة، وأنه لا جمعة بلا خلافة. بل إن المرء ليأخذه العجب كيف أن أقواماً ـ يزعمون الدفاع عن السنة والأخذ بآدابها ـ يجرؤون على رمي مسلم ميت بمثل هذه التهم الباطلة دون حجة ولا برهان، وإنما مستندهم في ذلك رواية صاحبها مجهول الحال، ولا يُدرى ما الحامل له على مثل هذا البهتان، وقد عاصر سيداً ـ رحمه الله تعالى ـ أناسٌ عدولٌ كثيرون وما نقلوا عنه مثل هذا القول البارد، ولا اتهموه بتلك التهمة الساقطة في ميزان الحق، وتفسيره لسورة الجمعة بين أيدينا وما وجدنا أثراً لمثل هذا الرأي، وما كان ـ رحمه الله ـ بالذي يخفي ما يعتقد أو يتظاهر بخلاف الذي يُسر.

    رابعاً: كلامه رحمه الله في شأن نبي الله موسى عليه السلام يُفهم في سياقه الذي قيل فيه، ويؤخذ معه كلامه الآخر عنه في مواضع عدة من كتبه كتفسيره (الظلال) وليس من الإنصاف أن يعمد امرؤ إلى كلمة فيستلها من سياقها العام ويلغي بعد ذلك سائر الكلام؛ ليثبت تهمة ما كانت إلا في نفسه هو، وما دارت بخلد كاتب الكلام أصلاً، ومثل هذا الكلام يقال في حق من يتهمون سيداً رحمه الله بأنه يسب الصحابة ـ هكذا ـ وينسون أنه كتب فصلاً كاملاً في كتاب المعالم ـ وهو من آخر كتبه ـ بعنوان (جيل قرآني فريد) يثني فيه على الصحابة الكرام رضي الله عنهم ويبيِّن فضائلهم ومحاسنهم، وكذلك اتهامه بأنه من دعاة وحدة الوجود استدلالاً بكلام مجمل حمال أوجه قاله في تفسير سورتي الحديد والإخلاص، ويغفلون عن كلامه المبيَّن في نفي وحدة الوجود والرد في مواضع من الظلال و(خصائص التصور الإسلامي) على الحلوليين ودعاة وحدة الوجود.

    وبعد. فليلعم هؤلاء الطاعنون في سيد قطب وغيره من أهل الدعوة والجهاد أنهم ـ قصدوا أولم يقصدوا ـ إنما يخدمون هدفاً بعيداً لأعداء الملة، الذين يرومون الطعن في كل من عُهد عنه تأثير في الصحوة المعاصرة التي أقضت مضاجع اليهود والصليبيين والملاحدة، فيعمدون إلى انتقاصهم ورميهم بالتهم الباطلة تنفيراً للناشئة منهم، وإشاعة لقالة السوء عنهم؛ ابتداء بشيخ الإسلام ابن تيمية مروراً بالإمام محمد بن عبد الوهاب وانتهاء بالأستاذ سيد قطب رحمهم الله جميعاً.

    وقد روى أبو موسى الأشعري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال {إن من إجلال الله تعالى إكرام ذي الشيبة المسلم، وحامل القرآن غير الغالي فيه ولا الجافي عنه، وإكرام ذي السلطان المقسط}رواه أبو داود، فثبت بهذا الحديث وجوب توقير العلماء وإحسان الظن بهم وحمل أقوالهم على أحسن المحامل، ولا يعني هذا اعتقاد عصمتهم وأنهم لا يخطئون، بل هم بشر معرَّضون للخطأ والصواب؛ فلا مانع من التنبيه على أخطائهم بما يُحق الحق ويُبطل الباطل، وذلك دون أن نتعمد تتبع عثراتهم وإحصاء هفواتهم، بل الواجب علينا أن نحفظ لأهل العلم حرمتهم وأن نعرف لهم فضلهم، وإن أخطأ الواحد منهم فإننا نعتقد أن ذلك الخطأ أو تلك الهفوة مغمورة في بحر فضائله.

    أما إدمان الحديث عنهم بالسوء وتتبع ما وقعوا فيه من أخطاء فهو مسلك أهل الضلالة والهوى؛ فتجد الواحد من هؤلاء لا هم له إلا الطعن في العلماء ـ أحياء وأمواتاً ـ بدعوى أن مقصد ذلك الداعية خبيث، وأنه ذو نية خبيثة، وأنه صاحب فتنة عدو للسنة، أو أن فلاناً لا يحب الرسول صلى الله عليه وسلم، وكذلك التندر عليهم في المجالس وطباعة الأشرطة في التشنيع عليهم والتحذير منهم بزعم أن خطرهم يفوق خطر اليهود والنصارى ونحو ذلك من الدعاوى العارية عن الدليل، والتي تشي بقلة الورع والخوف من الله تعالى.

    وعلى كل مسلم أن يعلم أنه لا أحد معصوم بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قال مالك رحمه الله {كل يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم} ويقول ابن القيم رحمه الله {فلو كان كل من أخطأ أو غلط تُرِكَ جملةً، وأُهدرت محاسنه لفسدت العلوم والصناعات والحكم وتعطلت معالمها} وعليه أن يعلم أن الأمور التي تُنتقد على بعض الدعاة أو العلماء أمور اجتهادية يسوغ فيها الخلاف، وقد يكون الخلاف فيها قد حصل بين أسلافنا ولم ينكر بعضهم على بعض؛ فيأتي بعض هؤلاء محذِّراً بأن فلاناً قد خالف السنة وانحرف عن المنهج؛ إلى آخر تلك التهويلات التي غايتها صرف الناس عن أولئك الدعاة. إن الواجب على هؤلاء أن يتقوا الله عز وجل وأن يعلموا أن لحوم العلماء مسمومة، وأن سنة الله في أخذ من انتقصهم معلومة، ومن وقع في أعراض العلماء بالثلب، ابتلاه الله قبل موته بموت القلب، وأذكِّر الجميع بقوله تعالى {والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبينا} والله الهادي إلى سواء السبيل.

    ومجمع الفقه الإسلامي بالسودان يوجه الجهات المسئولة إلى وجوب الذب عن علماء الأمة ـ أحياء وأمواتاً ـ لأن الذب عنهم ذب عن الدين، وذلك بمتابعة كل من يقع فيهم بالثلب، لا سيما الأموات ومن نفع الله بكتبهم وعلومهم؛ صيانة للدين وتحذيراً من دعاة الفتنة والوقوع في الأئمة.

  • حكم شراء الكُلى

    أنا الموقع أدناه مريض بفشل الكليتين، وقد أشار عليَّ الأطباء المختصون بنقل كلية سليمة بأسرع فرصة ممكنة؛ ولقد علمت بأن جهات مثل الهند وباكستان بها كلى جاهزة معروضة للبيع، وعليه فإنني أطلب فتوى بهذا الشأن حتى أكون على بينة من أمر ديني في هذا الموضوع؟

    الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.

    أولاً: نسأل الله لك شفاء عاجلاً غير آجل، وأن يبدلك لحماً خيراً من لحمك ودماً خيراً من دمك، ولك البشرى في قوله صلى الله عليه وسلم {لا يصيبُ المؤمنَ همٌ ولا حزنٌ ولا نصبٌ ولا وصبٌ ولا أذى إلا كُفِّر عنه} رواه أحمد عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وقوله صلى الله عليه وسلم {عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن؛ إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له؛ وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له} رواه مسلم من حديث صهيب رضي الله عنه؛ فعليك بالصبر الجميل حتى يفرِّج الله همك وينفِّس كربك.

    ثانياً: نقل الكلية من شخص سليم يتبرع بها ـ بغير عوض ـ إلى شخص مريض قد أجازه علماء المسلمين في مجامعهم الفقهية بشرط غلبة الظن بنجاح عملية الزرع، وعدم حصول ضرر على الشخص المنقول منه العضو، والمتبرِّع مأجور؛ لأنه داخل في قوله تعالى {ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا} وقوله صلى الله عليه وسلم {من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل} رواه مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما؛ ولأن في عمله هذا إنقاذاً لمعصوم وإزالةً لضرر واقع، وهذا كله من المقاصد الشرعية المعتبرة.

    ثالثاً: لا يجوز للشخص المتبرِّع بعضو من أعضائه أن يفعل ذلك على سبيل البيع؛ لأن هذه الأعضاء ليست ملكاً له، بل هي لخالقها جل جلاله، وإذا لم يجد المريض حاجته إلا بواسطة البيع وكان مضطراً لذلك؛ فلا حرج عليه في شرائها؛ لعموم قوله تعالى {فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه} وقياساً على من كان في مخمصة وحل له أكل الميتة أو الخنزير فلم يجدها إلا بالثمن، فله أن يشتريها، والإثم على بائعها، وهذه صورة بيع وليست بيعاً شرعياً، والعلم عند الله تعالى.

  • هل نسافر للمدينة قبل مكة؟

    أيهما أفضل الذهاب إلى المدينة قبل مكة أو الذهاب إلى المدينة بعد الحج لتكون مشقة السفر الطويلة مقصوداً بها الفريضة ـ الحج؟

    الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.

    فليس في السنة تحديد لوقت الذهاب إلى المدينة أيكون قبل الحج أم بعده، ولذا فعلى الحاج أن ينظر فيما هو أيسر عليه ليفعله؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم {ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما} والله تعالى أعلم.

  • مخيمات السودانيين خارج مِنى

    في حجة سابقة كان مخيم السودانيين القطاع الأوسط في مزدلفة وليس في منى، وقضينا كل أيام منى بمزدلفة، وقالوا لنا: إنه ما دامت الخيام متصلة فإن كل مكان هو بمثابة منى ولا حرج علينا، فهل هذا الكلام صحيح؟ لأن بعض الناس رفضوا وخرجوا إلى منى في العراء.

    الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.

    فمن القواعد التي ذكرها أهل العلم أن للزيادة حكم المزيد، وما دامت خيام هؤلاء الحجيج التي في مزدلفة متصلة بخيام أولئك الذين في منى فإن حكمهم واحد؛ خاصة مع كثرة العدد وضيق المكان، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها، والله تعالى أعلم.

  • ضوابط الرفقة المأمونة

    فضيلة الشيخ: كما تعلمون فإن عدد الحجاج قد كثر ـ ولله الحمد ـ ومشقة الحج تجاوزت الطريق إلى أداء المناسك والتنقل فيما بينها وغيرها.. مما لا يخفى عليكم، فإذا أخذنا رأي من قال من العلماء بجواز سفر المرأة في حج الفريضة مع الرفقة المأمونة فما هي ضوابط الرفقة المأمونة؟

    الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.

    فإن الرفقة المأمونة رخَّص في الخروج معها لحجة الفريضة الإمامان مالك والشافعي رحمهما الله تعالى، وهي عند المالكية قد تكون رجالاً أو نساءً، أو رجالاً ونساء. قال مالك رحمه الله في الصرورة من النساء التي لم تحج قط: إنها إن لم يكن لها ذو محرم يخرج معها، أو كان لها، فلم يستطع أن يخرج معها: أنها لا تترك فريضة الله عليها في الحج، لتخرج في جماعة النساء} الموطأ ① 425 وفي مواهب الجليل قال: تحصل من كلام القاضي عياض ثلاثة أقوال: أحدها اشتراط المجموع، الثاني الاكتفاء بأحد الجنسين، الثالث: اشتراط النساء سواء كن وحدهن أو مع رجال، وهو ظاهر الموطأ. مواهب الجليل ② 527 وإلى هذا الخلاف أشار خليل بقوله: وفي الاكتفاء بنساء أو رجال أو بالمجموع تردد. مختصر خليل/ 73 وقال الشيرازي رحمه الله في المهذب: إن كانت امرأة،لم يلزمها إلا أن تأمن على نفسها بزوج أو محرم أو نساء ثقات، قال في الإملاء: أو امرأة واحدة. وروى الكرابيسي عنه إذا كان الطريق آمناً جاز من غير نساء، وهو الصحيح؛ لما روى عدي بن حاتم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال {حتى لتوشك الظعينة أن تخرج منها بغير جوار حتى تطوف بالكعبة. قال عدي: فلقد رأيت الظعينة تخرج من الحيرة حتى تطوف بالكعبة بغير جوار} المجموع شرح المهذب ⑦ 72

    وعليه فلو خرجت المرأة إلى حجة الفريضة مع رفقة مأمونة من رجال أو نسوة ثقات فلا حرج عليها إن شاء الله؛ لما أفتى به هؤلاء الأئمة الأعلام استدلالاً بحديث عدي بن حاتم رضي الله عنه . وهذا الكلام بالنسبة لحجة الفريضة لا يشمل حج التطوع ولا السفر للتجارة أو السياحة وما أشبه ذلك مما اعتاده الناس، والله تعالى أعلم.

  • أوراد أثناء الطواف

    هناك من يحمل معه بعض الأوراد التي قد يكون فيها بعض المخالفات الشرعية ليقولها في مناسبات المناسك والزيارة، فما حكم ذلك؟

    الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.

    فإن الله تعالى يقول مخاطباً نبيه عليه الصلاة والسلام {واذكر ربك في نفسك تضرعاً وخفية ودون الجهر من القول بالغدو والآصال ولا تكن من الغافلين} ويقول {ادعوا ربكم تضرعاً وخفية إنه لا يحب المعتدين} فعلى مريد النسك  -حاجاً أو معتمرا -أن يلزم هذا الأدب القرآني فيدعو ربه ويذكره دون رفع للصوت وإحداث لضجيج؛ مقتدياً برسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان أكثر الناس ذكراً لربه ودعاء لمولاه.

    ومن الآداب كذلك أن يلتزم الذاكر والداعي بالمأثور في الكتاب والسنة، ولا يحدث ذكراً من تلقاء نفسه، وعليه كذلك أن يدعو الله تعالى متضرعاً راجياً، ولا يكن غاية همه أن يأتي بالدعاء المسجوع المتكلف فإن الله تعالى نهانا عن التكلف وقال لنبيه صلى الله عليه وسلم {قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين} وعليه أن يحذر تمام الحذر من أن يدعو غير الله الله أو يسيء الأدب في الدعاء أو يدعو بقلب غافل لاهي، والله تعالى أعلم.

زر الذهاب إلى الأعلى