الخروج على ولي الأمر
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالخروج على ولاة الأمور يسميه الفقهاء بغيا، ولا يصدق هذا الوصف على فئة من الناس إلا بشروط، يمكن إجمالها بما جاء في الموسوعة الفقهية: يتحقق البغي بما يلي:
أ- أن يكون الخارجون على الإمام جماعة من المسلمين لهم شوكة، وخرجوا عليه بغير حق لإرادة خلعه بتأويل فاسد، فلو خرج عليه أهل الذمة لكانوا حربيين لا بغاة، ولو خرجت عليه طائفة من المسلمين بغير تأويل ولا طلب إمرة لكانوا قطاع طريق، وكذا لو لم يكن لهم قوة ومنعة ولا يخشى قتالهم ولو كانوا متأولين، ولو خرجوا على الإمام بحق – كدفع ظلم – فليسوا ببغاة، وعلى الإمام أن يترك الظلم وينصفهم، ولا ينبغي للناس معونة الإمام عليهم؛ لأن فيه إعانة على الظلم، ولا أن يعينوا تلك الطائفة الخارجة؛ لأن فيه إعانة على خروجهم واتساع الفتنة …
ب – أن يكون الناس قد اجتمعوا على إمام وصاروا به آمنين والطرقات به آمنة؛ لأنه إذا لم يكن كذلك يكون عاجزاً أو جائراً ظالماً، يجوز الخروج عليه وعزله، إن لم يلزم منه فتنة، وإلا فالصبر أولى من التعرض لإفساد ذات البين.
ج – أن يكون الخروج على سبيل المغالبة، أي بإظهار القهر، وقيل: بالمقاتلة؛ وذلك لأن من يعصي الإمام لا على سبيل المغالبة لا يكون من البغاة، فمن خرج عن طاعة الإمام من غير إظهار القهر لا يكون باغياً.
د – وصرح الشافعية باشتراط أن يكون للخارجين مطاع فيهم، يصدرون عن رأيه، وإن لم يكن إماماً منصوباً؛ إذ لا شوكة لمن لا مطاع لهم، وقيل: بل يشترط أن يكون لهم إمام منصوب منهم. اهـ.
وقال الحطاب في مواهب الجليل: قال ابن عبد السلام: ولفظة “مغالبة” كالفصل أو كالخاصة؛ لأن من عصى الإمام لا على سبيل المغالبة لا يكون من البغاة انتهى. ونحوه في التوضيح، ونصه: وإخراج الخروج عن طاعة الإمام من غير مغالبة فإن ذلك لا يسمى بغيًا.ا.هـــــ وكأنهم يعنون بالمغالبة المقاتلة, فمن خرج عن طاعة الإمام من غير مغالبة لا يكون باغيا، ومثال ذلك ما وقع لبعض الصحابة رضي الله عنهم وحشرنا في زمرتهم وأماتنا على محبتهم وسنتهم ـ أنه مكث أشهراً لم يبايع الخليفة ثم بايعه رضي الله عنهم أجمعين اهـ.
أمارات البغي
إذا تكلم جماعة في الخروج على الإمام ومخالفة أوامره، وأظهروا الامتناع، وكانوا متحيزين متهيئين لقصد القتال، لخلع الإمام وطلب الإمرة لهم، وكان لهم تأويل يبرر في نظرهم مسلكهم دون المقاتلة، فإن ذلك يكون أمارة بغيهم.
وينبغي إذا ما بلغ الإمام أمرهم، وأنهم يشترون السلاح ويتأهبون للقتال، أن يأخذهم ويحبسهم حتى يقلعوا عن ذلك، ويحدثوا توبة؛ دفعا للشر بقدر الإمكان؛ لأنه لو انتظر أن يبدءوه بالقتال، فربما لا يمكنه الدفع، لتقوي شوكتهم وتكثر جمعهم، خصوصا والفتنة يسرع إليها أهل الفساد. ويختلف الفقهاء في بدئهم بالقتال.
وكذلك فإن مخالفتهم للإمام لمنع حق الله، أو لآدمي كزكاة، وكأداء ما عليهم مما جبوه لبيت مال المسلمين كخراج الأرض، مع التحيز والتهيؤ للخروج على الإمام على وجه المغالبة، وعدم المبالاة به، فإن ذلك يكون أمارة بغيهم. الشرح الكبير حاشية الدسوقي 4/299
أما لو أظهروا رأي الخوارج، كتكفير فاعل الكبيرة وترك الجماعات واستباحة دماء المسلمين وأموالهم، ولكن لم يرتكبوا ذلك، ولم يقصدوا القتال، ولم يخرجوا عن طاعة الإمام، فإن ذلك لا يكون أمارة البغي، حتى لو امتازوا بموضع يتجمعون فيه، لكن إن حصل منهم ضرر تعرضنا لهم إلى زوال الضرر.
إنكار المنكر
من شروط وجوب إنكار المنكر الأمن على النفس والأهل والمال. فمن خاف من ذي سلطة أن يبطش به بضرب أو بسجن أو قيد أو أخذ مال إن أمره بالمعروف أو نهاه عن المنكر سقط عنه وجوب الأمر والنهي نص على ذلك الأئمة، الإمام مالك وأحمد وإسحاق وغيرهم، قال الإمام أحمد: لا يتعرض للسلطان فإن سيفه مسلول. وقال سعيد بن جبير قلت لابن عباس آمر السلطان بالمعروف وأنهاه عن المنكر؟ قال: إن خفت أن يقتلك فلا، ثم عدت فقال لي مثل ذلك، ثم عدت فقال لي مثل ذلك، وقال: إن كنت لا بد فاعلاً ففيما بينك وبينه. أما الحديث الذي أخرجه الترمذي وابن ماجه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وهو قوله مرفوعاً: “ألا لا يمنعن أحدكم هيبة الناس أن يقول بحق إذا علمه” وما جاء في معناه فمحمول على أن يكون المانع من الإنكار مجرد الهيبة، أو خوف الكلام السيئ أو نحو ذلك، دون الخوف المسقط للإنكار، وهذا بالنسبة لمن لا يطيق الأذى ولا يصبر عليه لأن الإنسان منهي عن تعريض نفسه للمذلة، أما من علم من نفسه الصبر والجلد واحتمال الأذى الذي قد يتعرض له فالأفضل له إنكار المنكر ولو خشي الأذى، نص على ذلك الإمام أحمد، ويشهد له ما أخرجه أبو داود وابن ماجه والترمذي من حديث أبي سعيد “أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر” كما يشهد له ما قام به الرسول الكريم وأصحابه صلوات ربي وسلامه عليهم، وما تلقوه من الأذى بأنواعه جراء صدعهم بالحق أمام الجبابرة والكفرة.
وقد قال الإمام ابن القيم في نونيته:
فاصدع بأمر الله لا تخش الورى في الله واخشاه تفز بجنان
قل لي متى سلم الرسول وصحبه والتابعون لهم على الإحسان
من جاهل ومعاند ومنافق ومحارب بالبغي والطغيان