
الحمدُ للهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَهْدِيهِ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَصَفِيُّهُ وَخَلِيلُهُ، أَدَّى الرِّسَالَةَ وَأَدَّى الأَمَانَةَ وَنَصَحَ الأُمَّةَ، وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ رَبِّهِ حَقَّ الجِهَادِ، وَلَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا مِمَّا أَمَرَ بِهِ إِلَّا بَلَّغَهُ، فَتَحَ اللهُ بِهِ أَعْيُنًا عُمْيًا وَآذَانًا صُمًّا وَقُلُوبًا غُلْفًا، وَهَدَى النَّاسَ مِنَ الضَّلَالَةِ، وَنَجَّاهُمْ مِنَ الجَهَالَةِ، وَبَصَّرَهُمْ مِنَ العَمَى، وَأَخْرَجَهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ، وَهَدَاهُمْ بِإِذْنِ رَبِّهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا.
اللهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى عَبْدِكَ وَنَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اقْتَفَى أَثَرَهُ وَاهْتَدَى بِهُدَاهُ. أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ أَصْدَقَ الحَدِيثِ كَلَامُ اللهِ تَعَالَى، وَخَيْرَ الهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلُّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلُّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ، وَمَا قَلَّ وَكَفَى خَيْرٌ مِمَّا كَثُرَ وَأَلْهَى، {وَإِنَّمَا تُوعَدُونَ لَآتٍ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ} [الأنعام: 134].
أَمَّا بَعْدُ أَيُّهَا المُسْلِمُونَ عِبَادَ اللهِ، فَإِنَّ نَبِيَّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَخْبَرَنَا أَنَّ بَيْنَ يَدَيْ سَنَوَاتٍ خَدَّاعَاتٍ يُصَدَّقُ فِيهَا الكَاذِبُ وَيُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ، وَيُخَوَّنُ فِيهَا الأَمِينُ وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الخَائِنُ، وَيَتَحَدَّثُ فِيهَا الرُّوَيْبِضَةُ، قِيلَ: وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: الرَّجُلُ التَّافِهُ يَتَحَدَّثُ فِي أَمْرِ العَامَّةِ. أَخْبَرَنَا صَلَوَاتُ رَبِّي وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ أَنَّ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ فِتَنًا يُرَقِّقُ بَعْضُهَا بَعْضًا، كُلَّمَا جَاءَتْ يَقُولُ المُؤْمِنُ: هَذِهِ مُدْرِكَةٌ، ثُمَّ تَنْجَلِي، ثُمَّ تَأْتِي أُخْرَى فَيَقُولُ: هَذِهِ هَذِهِ، ثُمَّ تَنْجَلِي، حَتَّى يَمُرَّ الرَّجُلُ بِقَبْرِ الرَّجُلِ فَيَقُولُ: يَا لَيْتَنِي مَكَانَهُ، يَمُرُّ الوَاحِدُ مِنَّا بِالمَقَابِرِ يَتَمَنَّى أَنْ لَوْ قُبِضَ قَبْلَ أَنْ تُدْرِكَهُ تِلْكَ الفِتَنُ.
وَإِنَّ أَعْظَمَ فِتْنَةٍ أَخْبَرَنَا عَنْهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هِيَ فِتْنَةُ الدَّجَّالِ، قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: مَا بَيْنَ خَلْقِ آدَمَ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ أَمْرٌ أَكْبَرُ مِنَ الدَّجَّالِ، وَمَا مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَنْذَرَهُ قَوْمَهُ، وَإِنِّي وَقَائِلٌ قَوْلًا لَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ قَبْلِي، إِلَّا أَنَّهُ أَعْوَرُ، وَإِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ. عَلَّمَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا صَلَّ صَلَاةً أَيَّ صَلَاةٍ قَبْلَ أَنْ نَنْفَتِلَ مِنْهَا، قَبْلَ أَنْ نُسَلِّمَ، أَنْ نَسْتَعِيذَ بِاللهِ مِنْ أَرْبَعٍ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَمِنْ عَذَابِ القَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ المَحْيَا وَالمَمَاتِ، وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ المَسِيحِ الدَّجَّالِ. لِمَاذَا يَسْتَعِيذُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ فِي كُلِّ صَلَاةٍ؟ لِأَنَّ فِتْنَتَهُ عَظِيمَةٌ.
فَمَنْ هُوَ الدَّجَّالُ؟ الدَّجَّالُ عِنْدَنَا المَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ نَبِيٌّ مِنْ أُولِي العَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ، لُقِّبَ بِالمَسِيحِ لِأَنَّهُ كَانَ مَمْسُوحًا بِالبَرَكَةِ، وَلِأَنَّهُ كَانَ يَمْسَحُ عَلَى المَرِيضِ فَيَبْرَأُ بِإِذْنِ اللهِ، وَلِأَنَّهُ كَانَ يَمْسَحُ الأَرْضَ يَدْعُو إِلَى اللهِ يَنْتَقِلُ مِنْ بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ وَمِنْ قَرْيَةٍ إِلَى قَرْيَةٍ، يَدْعُو إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَلِذَلِكَ لُقِّبَ بِالمَسِيحِ. أَمَّا هَذَا الدَّجَّالُ فَإِنَّهُ لُقِّبَ بِالمَسِيحِ لِأَنَّهُ مَمْسُوحُ العَيْنِ اليُمْنَى، كَمَا أَخْبَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَأَنَّهَا عِنَبَةٌ طَافِئَةٌ أَوْ عَنْ طَافِيَةٍ، أَخْبَرَنَا صَلَوَاتُ رَبِّي وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ أَنَّ هَذَا الدَّجَّالَ يَمْسَحُ الأَرْضَ كُلَّهَا، لَا يَدَعُ بَلَدًا إِلَّا وَطَئَهَا، إِلَّا مَكَّةَ وَالمَدِينَةَ، لَا نَقْبًا مِنْ أَنْقَابِهِمَا إِلَّا وَجَدَ المَلَائِكَةَ قَائِمَةً مُسَلَّطَةً سُيُوفُهَا.
مَكَّةُ وَالمَدِينَةُ فِيهَا مُنَافِقُونَ أَمْسِ وَاليَوْمِ وَغَدًا، كَمَا قَالَ رَبُّنَا جَلَّ جَلَالُهُ: {وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ المَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ} [التوبة: 101]. هَؤُلَاءِ المُنَافِقُونَ قُلُوبُهُمْ مَعَ الدَّجَّالِ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَتَرْجُفُ المَدِينَةُ ثَلَاثَ رَجَفَاتٍ، أَيْ ثَلَاثَ هَزَّاتٍ، يُخْرِجُ اللهُ مِنْهَا كُلَّ مُنَافِقٍ وَمُنَافِقَةٍ، الدَّجَّالُ لَا يَسْتَطِيعُ الدُّخُولَ إِلَيْهِمَا، لَكِنَّهُمْ يَخْرُجُونَ إِلَيْهِ، لِأَنَّ قُلُوبَهُمْ مَعَهُ.
هَذَا الدَّجَّالُ زَوَّدَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِقُدُرَاتِ فِتْنَةٍ لِلْعِبَادِ، مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ يَأْمُرُ السَّمَاءَ أَنْ تُمْطِرَ فَتُمْطِرُ، وَيَأْمُرُ الأَرْضَ أَنْ تُنْبِتَ فَتُنْبِتُ، وَيَمُرُّ عَلَى الخَرَائِبِ فَيَقُولُ لَهَا: أَخْرِجِي كُنُوزَكِ، فَتَخْرُجُ تَتْبَعُهُ كَأَنَّهَا يَعَاسِيبُ النَّحْلِ. هَذَا الدَّجَّالُ لَهُ قُدْرَةٌ عَلَى التَّنَقُّلِ فِي الأَرْضِ مَعَ سُرْعَةِ حَرَكَةٍ، وَيَسْتَعِينُ بِالشَّيَاطِينِ، يَأْتِي الرَّجُلَ يَقُولُ لَهُ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَحْيَيْتُ لَكَ أَبَاكَ وَأُمَّكَ أَتُؤْمِنُ أَنِّي أَنَا رَبُّكَ؟ فَيَقُولُ لَهُ: نَعَمْ، فَيَتَمَثَّلُ لَهُ الشَّيْطَانُ فِي صُورَةِ أَبِيهِ، وَشَيْطَانٌ آخَرُ فِي أُمِّهِ، يَقُولَانِ لَهُ: يَا بُنَيَّ آمِنْ بِهِ فَإِنَّهُ رَبُّكَ.
يَمُرُّ عَلَى قَوْمٍ فَيَرُدُّونَ عَلَيْهِ دَعْوَتَهُ، يَرُدُّونَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ، يَقُولُونَ لَهُ: أَنْتَ الدَّجَّالُ الَّذِي أَخْبَرَ عَنْهُ النَّبِيُّ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، فَيَصْبَحُونَ مُمْحَلِينَ مَجْدَبِينَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ شَيْءٌ، وَيَمُرُّ عَلَى آخَرِينَ فَيَتْبَعُونَهُ فَيَصْبَحُونَ بِخَيْرِ حَالٍ، يَصْبَحُونَ وَقَدْ أَخْصَبَتْ أَرْضُهُمْ وَدَرَّ ضَرْعُهُمْ وَكَثُرَ مَالُهُمْ، يَصْلَحُونَ بِخَيْرِ حَالٍ. هَذِهِ فِتْنَةٌ يَبْتَلِي اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهَا عِبَادَهُ.
أَخْبَرَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صِفَاتِ هَذَا الدَّجَّالِ بِأَنَّهُ رَجُلٌ قَصِيرٌ جَسِيمٌ أَحْمَرُ أَفْحَجُ عَقِيمٌ لَا يُولَدُ لَهُ، مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَافِرٌ، يَقْرَأُهَا كُلُّ مُؤْمِنٍ كَاتِبًا كَانَ أَوْ غَيْرَ كَاتِبٍ. هَذَا الدَّجَّالُ مَا يَخْرُجُ عَلَى النَّاسِ مُدَّعِيًا أَنَّهُ وَلِيٌّ، وَلَا أَنَّهُ نَبِيٌّ، بَلْ يَدَّعِي أَنَّهُ رَبُّ العَالَمِينَ، هَذِهِ دَعْوَةٌ عَرِيضَةٌ تِلْكَ الَّتِي فِرْعَوْنُ مِنْ قَبْلُ حِينَ قَالَ: {أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى} [النازعات: 24]. هَذَا الدَّجَّالُ يَدَّعِي أَنَّهُ الرَّبُّ المَعْبُودُ، أَنَا رَبُّكُمْ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَلَا وَإِنَّهُ أَعْوَرُ، وَإِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
هَذَا الدَّجَّالُ أَيُّهَا المُسْلِمُونَ عِبَادَ اللهِ، أَرْشَدَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى سُبُلِ الوِقَايَةِ مِنْهُ، أَوَّلُ هَذِهِ السُّبُلِ أَنْ نَسْتَعِيذَ بِاللهِ دَبَرَ كُلِّ صَلَاةٍ، إِذَا فَرَغَ مِنَ التَّشَهُّدِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ يَسْتَعِيذُ بِاللهِ مِنْ أَرْبَعٍ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَمِنْ عَذَابِ القَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ المَحْيَا وَالمَمَاتِ، وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ المَسِيحِ الدَّجَّالِ. ثُمَّ ثَانِيًا: حِفْظُ عَشْرِ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ الكَهْفِ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ لَقِيَهُ مِنْكُمْ فَلْيَقْرَأْ عَلَيْهِ فَوَاتِحَ سُورَةِ الكَهْفِ. لِمَاذَا سُورَةُ الكَهْفِ؟ لِأَنَّ هَذِهِ السُّورَةَ العَظِيمَةَ الَّتِي نَقْرَأُهَا كُلَّ جُمُعَةٍ، فِيهَا أَنَّ رَبَّنَا جَلَّ جَلَالُهُ أَنْجَى أُولَئِكَ الفِتْيَةَ المُؤْمِنِينَ مِنْ ذَلِكَ المَلِكِ الظَّلُومِ الغَشُومِ، فَيَتَمَثَّلُ المُؤْمِنُ كَمَا أَنْجَى رَبُّنَا أُولَئِكَ سَيُنْجِيهِ مِنْ هَذَا الدَّجَّالِ، وَلِأَنَّ فِي سُورَةِ الكَهْفِ مِنَ الغَرَائِبِ وَالعَجَائِبِ وَالآيَاتِ القَاهِرَةِ وَالمُعْجِزَاتِ البَاهِرَةِ، مَا يَرَى المُؤْمِنُ يَصْنَعُهُ الدَّجَّالُ شَيْئًا يَسِيرًا أَمَامَهَا.
اللهُ جَلَّ جَلَالُهُ فِي سُورَةِ الكَهْفِ أَخْبَرَنَا أَنَّهُ قَدْ ضَرَبَ عَلَى آذَانِ أُولَئِكَ الفِتْيَةِ ثَلَاثَمِائَةِ سَنِينٍ وَازْدَادُوا تِسْعًا، كَانُوا لَا يَحْتَاجُونَ طَعَامًا وَلَا إِلَى شَرَابٍ، وَأَنَّهُمْ كَانُوا نِيَامًا وَأَعْيُنُهُمْ مَفْتُوحَةٌ، كَمَا قَالَ جَلَّ مَنْ قَائِلٍ: {وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ} [الكهف: 18]. إِنَّ اللهَ جَلَّ جَلَالُهُ كَانَ يُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ اليَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ لِئَلَّا تُؤَثِّرَ الأَرْضُ فِي أَجْسَادِهِمْ، وَأَنَّهُ مَنَعَ حَرَّ الشَّمْسِ مِنْ أَنْ يَصِلَ إِلَيْهِمْ: {وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ اليَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ} [الكهف: 17]، وَسَلَّطَ مَخْلُوقًا مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ لِحِرَاسَتِهِمْ: {وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالوَصِيدِ} [الكهف: 18]. مَا اسْتَطَاعَ ذَلِكَ المَلِكُ الظَّلُومُ بِقُوَّاتِهِ، بِمُخَابَرَاتِهِ، بِعُيُونِهِ، بِدَوَاسِيسِهِ، مَا اسْتَطَاعَ أَنْ يَصِلَ إِلَى أُولَئِكَ الفِتْيَةِ حَتَّى بَعَثَهُمُ اللهُ مِنْ رَقْدَتِهِمْ تِلْكَ بَعْدَ تِلْكَ المُدَّةِ الطَّوِيلَةِ: {لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا} [الكهف: 18]. المُؤْمِنُ الَّذِي يَقْرَأُ سُورَةَ الكَهْفِ وَيَرَى هَذِهِ الآيَاتِ يَعْلَمُ أَنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَأَنَّهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا فَإِنَّمَا لَهُ كُنْ فَيَكُونُ، فَلَا يَسْتَغْرِبُ مَا يَصْنَعُهُ الدَّجَّالُ.
وَالسُّؤَالُ أَيُّهَا المُسْلِمُونَ عِبَادَ اللهِ، فِي وَاقِعِ مَا نَرَى وَنَسْمَعُ وَنَقْرَأُ، لَوْ خَرَجَ الدَّجَّالُ فِينَا هَذِهِ الأَيَّامِ، لَا قَدَّرَ اللهُ، وَنَسْأَلُ اللهَ أَلَّا يُدْرِكَنَا زَمَانَهُ، فَإِنَّ الإِنْسَانَ لَا يَدْرِي حَالَهُ وَقْتَ الفِتَنِ. النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ: مَنْ سَمِعَ بِالدَّجَّالِ فَلْيَنْأَ عَنْهُ، فَلْيَبْتَعِدْ عَنْهُ، مَا يَقُولُ: أَذْهَبُ مِنْ أَجْلِ أَنْ أَرَى، مِنْ أَجْلِ أَنْ… فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّ الرَّجُلَ لَيَأْتِيهِ يَحْسَبُ نَفْسَهُ مُؤْمِنًا فَيَتْبَعُهُ لِكَثْرَةِ مَا يَبْعَثُ مِنَ الشُّبُهَاتِ، يَأْتِيهِ الوَاحِدُ يَقُولُ: أَنَا مُؤْمِنٌ، أَنَا عَلَى يَقِينٍ، فَقَطْ أَنْ أَرَى، وَلَيْسَ رَاءٍ كَمَنْ سَمِعَ، لَكِنَّهُ إِذَا جَاءَ فَوَجَدَهُ يَأْمُرُ السَّمَاءَ أَنْ تُمْطِرَ، وَيَأْمُرُ الأَرْضَ أَنْ تُنْبِتَ، وَيُخْرِجُ كُنُوزَ الأَرْضِ، وَمَنْ تَبِعَهُ مِنَ النَّاسِ يَصْبَحُ بِخَيْرِ حَالٍ، وَمَنْ رَدَّ عَلَيْهِ دَعْوَتَهُ يَصْبَحُ مَجْدَبًا مُمْحَلًا، فَإِنَّهُ يَتْبَعُ الدَّجَّالَ، تُؤَثِّرُ هَذِهِ الشُّبُهَاتُ فِي قَلْبِهِ.
يَا أَيُّهَا المُسْلِمُونَ، لَوْ أَنَّ الدَّجَّالَ خَرَجَ بَيْنَنَا فِي هَذِهِ الأَيَّامِ، فَإِنَّ نَاسًا كَثِيرِينَ سَيَقُولُونَ: لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ، أَلَا تَرَوْنَ القُوَى العَالَمِيَّةَ كُلَّهَا مِنْ خَلْفِهِ؟ وَاللهُ يَقُولُ: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195]، دَعُوهُ يَصْنَعُ مَا يُرِيدُ، الخَلْقُ لِلْخَالِقِ. وَثَمَّةَ نَاسٌ آخَرُونَ سَيَقُولُونَ: إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ عِنْدَهُ أُمُورٌ طَيِّبَةٌ وَمَشْرُوعَاتٌ خَيْرِيَّةٌ، أَلَا تَرَوْنَ أَنَّهُ قَدْ مَرَّ بِنَاسٍ وَأَصْلَحَ مِنْ شَأْنِهِمْ وَطَيَّبَ عَيْشَهُمْ؟ إِنَّ هَذَا رَسُولٌ مِنْ رُسُلِ الخَيْرِ إِلَى هَذِهِ الإِنْسَانِيَّةِ المَجْهُودَةِ المُتْعَبَةِ. وَفَرِيقٌ ثَالِثٌ إِذَا سَمِعَ نَاسًا مِنْ أَهْلِ العِلْمِ وَالدَّعْوَةِ يَقُولُونَ: هَذَا هُوَ الدَّجَّالُ الكَافِرُ الَّذِي أَخْبَرَ عَنْهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سَيَقُولُونَ: إِنَّ هَؤُلَاءِ تَكْفِيرِيُّونَ مُتَطَرِّفُونَ يَرْمُونَ النَّاسَ بِالكُفْرِ، وَكَأَنَّ مَفَاتِيحَ الجَنَّةِ وَالنَّارِ بِأَيْدِيهِمْ، مَاذَا صَنَعْتُمْ لِلْبَشَرِيَّةِ؟ يَا أَهْلَ المَنَابِرِ، يَا أَصْحَابَ الخُطَبِ. هَكَذَا سَيُجِيبُ فَرِيقٌ ثَالِثٌ، وَفَرِيقٌ رَابِعٌ وَفَرِيقٌ خَامِسٌ، وَالمُهْتَدِي مَنِ اعْتَصَمَ بِاللهِ، {وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [آل عمران: 101].
أَلَا إِنَّ خَيْرَ الكَلَامِ كَلَامُ اللهِ، وَخَيْرَ الهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، نَبِيُّنَا عَلَيْهِ الصَّلَاةُ حِينَ أَخْبَرَنَا عَنْ هَذِهِ الأُمُورِ الغَيْبِيَّةِ مَا كَانَ يَنْطِقُ عَنِ الهَوَى، مَا كَانَ يَنْطِقُ عَنْ هَوَاهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، بَلْ كَانَ يُخْبِرُ بِوَحْيٍ مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 4]. أَيُّهَا المُسْلِمُونَ، إِنَّ كَثِيرًا مِمَّا أَخْبَرَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ وَقَعَ كَمَا أَخْبَرَ لِأَنَّهُ الصَّادِقُ المَصْدُوقُ، فَوَاجِبٌ عَلَيْنَا أَنْ نُصَدِّقَهُ فِيمَا أَخْبَرَ، وَأَنْ نُطِيعَهُ فِيمَا أَمَرَ، وَأَنْ نَجْتَنِبَ مَا نَهَى عَنْهُ وَزَجَرَ، وَأَنْ نَتَّقِيَ الفِتَنَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، أَنْ نَتَّقِيَهَا بِالأَسْبَابِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي عَلَّمَنَا إِيَّاهَا اللهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنْ نَحْفَظَ مَا اسْتَطَعْنَا مِنْ سُورَةِ الكَهْفِ، أَنْ نَسْتَعِيذَ بِاللهِ دَبَرَ كُلِّ صَلَاةٍ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ، أَنْ نَنْأَى عَنْهُ مَا اسْتَطَعْنَا، وَلَا يَعْرِضَ أَحَدُنَا لِلشُّبُهَاتِ، ثُمَّ اللُّجُوءُ إِلَى أَحَدِ الحَرَمَيْنِ لِمَنْ كَانَ مُسْتَطِيعًا، فَإِنَّ الإِيمَانَ يَأْرِزُ إِلَى المَدِينَةِ كَمَا تَأْرِزُ الحَيَّةُ إِلَى جُحْرِهَا، كَمَا أَخْبَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: سَتُفْتَحُ الشَّامُ وَيَنْجَفْلُ إِلَيْهَا النَّاسُ، وَالمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ، وَسَتُفْتَحُ العِرَاقُ وَيَنْجَفْلُ إِلَيْهَا النَّاسُ، وَالمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ، وَسَتُفْتَحُ مِصْرُ وَيَنْجَفْلُ إِلَيْهَا النَّاسُ، وَالمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ. فَوَقَعَ الأَمْرُ كَمَا أَخْبَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِأَنَّهُ لَا يَنْطِقُ عَنِ الهَوَى.
أَسْأَلُ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَرْزُقَنَا إِيمَانًا صَادِقًا، وَيَقِينًا لَيْسَ بَعْدَهُ كُفْرٌ، وَرَحْمَةً نَنَالُ بِهَا شَرَفَ كَرَامَتِهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ إِيمَانًا لَا يَرْتَدُّ، وَنَعِيمًا لَا يَنْفَدُ، وَنَسْأَلُكَ مُرَافَقَةَ نَبِيِّكَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَعْلَى جِنَانِ الخُلْدِ، اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الفِتَنَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، تُوبُوا إِلَى اللهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ.
الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ، وَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ إِلَهُ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ النَّبِيُّ الأَمِينُ، بَعَثَهُ اللهُ بِالهُدَى وَاليَقِينِ لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ القَوْلُ عَلَى الكَافِرِينَ، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَيْهِ وَعَلَى إِخْوَانِهِ الأَنْبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ وَآلِ كُلٍّ وَصَحْبِ كُلٍّ أَجْمَعِينَ، وَأَحْسَنَ اللهُ خِتَامِي وَخِتَامَكُمْ وَخِتَامَ المُسْلِمِينَ، وَحَشَرَ الجَمِيعَ تَحْتَ لِوَاءِ سَيِّدِ المُرْسَلِينَ.
أَمَّا بَعْدُ أَيُّهَا المُسْلِمُونَ، فَاتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ، وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعًا أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ، وَاعْلَمُوا إِخْوَتِي فِي اللهِ أَنَّ الدُّنْيَا قَدِ اسْتَيْقَظَتْ صَبَاحَ هَذَا اليَوْمِ عَلَى تِلْكَ الضَّرَبَاتِ المُوجِعَةِ الَّتِي وَجَّهَهَا الكَيَانُ الصِّهْيُونِيُّ لِإِيرَانَ، وَالَّتِي كَانَ مِنْ جَرَّائِهَا تَدْمِيرُ المَنْشَآتِ النَّوَوِيَّةِ الَّتِي عَمِلَ الإِيرَانِيُّونَ عَلَى إِنْشَائِهَا خِلَالَ عُقُودٍ مِنَ الزَّمَانِ، وَمَقْتَلُ قَادَةِ الجَيْشِ الإِيرَانِيِّ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مَعْلُومٌ.
وَهَا هُنَا لَا بُدَّ مِنْ كَلِمَةٍ تُقَالُ بِأَنَّ صِرَاعًا مُنْذُ عُقُودٍ بَيْنَ مَشْرُوعَيْنِ، مَشْرُوعٍ صِهْيُونِيٍّ صَلِيبِيٍّ تَقُودُهُ الوِلَايَاتُ المُتَّحِدَةُ وَالكَيَانُ الصِّهْيُونِيُّ، وَمَشْرُوعٍ صَفَوِيٍّ رَافِضِيٍّ تَقُودُهُ إِيرَانُ، وَكَانَ المُسْلِمُونَ أَهْلُ السُّنَّةِ الَّذِينَ يُمَثِّلُونَ السَّوَادَ الأَعْظَمَ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانُوا ضَحَايَا هَذَا المَشْرُوعِ، قُتِلَ المُسْلِمُونَ فِي العِرَاقِ، فِي سُورِيَا، فِي أَفْغَانِسْتَانَ، فِي لُبْنَانَ، اليَمَنَ، فِي غَيْرِهَا مِنْ بِلَادِ اللهِ بِتَوَاطُؤٍ وَتَنْسِيقٍ بَيْنَ هَذَيْنِ المَشْرُوعَيْنِ، المَشْرُوعِ الصِّهْيُونِيِّ الصَّلِيبِيِّ وَالمَشْرُوعِ الصَّلِيبِيِّ وَالمَشْرُوعِ الصَّفَوِيِّ الرَّافِضِيِّ، المُسْلِمُونَ أَهْلُ السُّنَّةِ هُمْ ضَحَايَا هَذَا التَّنْسِيقِ، وَهَذَا التَّوَائِمِ فِي سُورِيَا، فِي العِرَاقِ، فِي لُبْنَانَ، فِي اليَمَنَ، فِي أَفْغَانِسْتَانَ، فِي غَيْرِهَا مِنْ بِلَادِ اللهِ.
فَإِنَّهُ لَمَّا غَزَى الصَّلِيبِيُّونَ أَفْغَانِسْتَانَ فِي أَوَاخِرِ سَنَةِ أَلْفَيْنِ وَوَاحِدٍ، كَانَتْ إِيرَانُ تُمَثِّلُ مَحَطَّةَ إِخْلَاءٍ لِلْجَرْحَى الأَمْرِيكِيِّينَ، غَزْوُ العِرَاقِ فِي أَلْفَيْنِ وَثَلَاثَةٍ تَمَّ بِتَنْسِيقٍ وَتَوَاطُؤٍ وَتَقَاسُمٍ لِلمَنَافِعِ، أَدَّى إِلَى أَنْ تَبَسَّطَ إِيرَانُ سَيْطَرَتَهَا عَلَى العِرَاقِ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ تَعْمَلُ سَيْفَ البَغْيِ وَالعُدْوَانِ عَلَى أَهْلِ السُّنَّةِ فِي مَسَاجِدِهِمْ، فِي دِمَائِهِمْ، فِي أَعْرَاضِهِمْ، فِي تَخْرِيبِ قُرَاهُمْ، فِي انْتِهَاكِ ثَرَوَاتِهِمْ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مَعْلُومٌ، ثُمَّ تَكَرَّرَ ذَلِكَ فِي سُورِيَا وَفِي اليَمَنَ وَفِي غَيْرِهَا مِنْ بِلَادِ اللهِ.
مَا المَطْلُوبُ مِنَّا؟ المَطْلُوبُ أَنْ يَكُونَ لِأَهْلِ السُّنَّةِ مَشْرُوعٌ، كُلُّ هَذَا الَّذِي مَا كَانَ لِأَهْلِ السُّنَّةِ فِيهِ مِنْ نَاقَةٍ وَلَا جَمَلٍ، المَطْلُوبُ أَنْ يَنْهَضَ أَهْلُ السُّنَّةِ بِأَنْفُسِهِمْ، وَأَنْ يُدَافِعُوا، فَإِنَّ المُتَوَقَّعَ بَعْدَ هَذَا التَّدْمِيرِ لِلمَشْرُوعِ الصَّفَوِيِّ أَنْ يَخْلُوَ لِلصَّلِيبِيِّينَ وَالصَّهَايِنَةِ مِنْ أَجْلِ أَنْ يَعْبَثُوا بِالبِلَادِ كَيْفَ شَاءُوا، نَتَوَقَّعُ فِي قَابِلِ الأَيَّامِ أَنْ تَتَسَارَعَ وَتِيرَةُ التَّطْبِيعِ مَعَ الصَّهَايِنَةِ، الدُّوَلُ الَّتِي كَانَتْ تُقَدِّمُ رِجْلًا وَتُؤَخِّرُ أُخْرَى سَتُقْدِمُ عَلَى التَّطْبِيعِ، لِأَنَّ الصَّهَايِنَةَ صَارُوا الآنَ هُمْ سَادَةَ المِنْطَقَةِ، وَهُمُ الَّذِينَ يَمْلِكُونَ زِمَامَ الأُمُورِ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ سَيُحَاوِلُ الصَّهَايِنَةُ أَنْ يَبْدَأُوا فِي تَنْفِيذِ مَشْرُوعِ دَوْلَةٍ مِنَ الفُرَاتِ إِلَى النِّيلِ، دَوْلَةِ إِسْرَائِيلَ الكُبْرَى الَّتِي لَمْ تُرْسَمْ لَهَا حُدُودٌ إِلَى يَوْمِنَا هَذَا، إِلَى يَوْمِ النَّاسِ هَذَا، لَا يُعْرَفُ لِهَذِهِ الدَّوْلَةِ اللَّقِيطَةِ حُدُودٌ، بَلْ حُدُودُهَا حَيْثُ تَذْهَبُ جُيُوشُهَا، فَسَيُحَاوِلُونَ القَضَاءَ عَلَى الجَيْشِ المِصْرِيِّ، وَهُوَ آخِرُ الجُيُوشِ الَّتِي بَقِيَتْ، وَسَيُحَاوِلُونَ القَضَاءَ عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ كَثَافَتُهُ العَدَدِيَّةُ، لَا مِنْ حَيْثُ أَثَرُهُ، وَإِنَّمَا أَثَرُهُ الآنَ مَعْدُومٌ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ، كَأَنَّهُ لَيْسَ فِي مِصْرَ جَيْشٌ، بَلْ إِسْرَائِيلُ تَصُولُ وَتَجُولُ وَتَصْنَعُ مَا تَشَاءُ حَتَّى عَلَى الحُدُودِ المِصْرِيَّةِ دُونَ أَنْ يُحَرِّكُوا سَاكِنًا.
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ عِبَادَ اللهِ، نَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَكُونَ غَدًا خَيْرًا مِنْ يَوْمِنَا، وَأَنْ يَجْعَلَ مِنْ هَذِهِ الأَحْدَاثِ فُرْصَةً لِأَنْ يَرْجِعَ القَوْمُ إِلَى رُشْدِهِمْ، وَأَنْ يَتَبَيَّنُوا مَوَاطِئَ أَقْدَامِهِمْ، وَأَنْ يَضَعُوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَيْدِي إِخْوَانِهِمْ، وَأَنْ يَعْلَمُوا يَقِينًا أَنَّهُ مَا حَكَّ جِلْدَكَ مِثْلُ ظُفْرِكَ. وَفِي هَذَا المَقَامِ أَيْضًا لَا بُدَّ أَنْ نَدْعُوَ لِقَافِلَةِ الصُّمُودِ أُولَئِكَ الأَبْطَالِ الَّذِينَ خَرَجُوا يُرِيدُونَ أَنْ يُغِيثُوا إِخْوَانَهُمْ فِي غَزَّةَ، لَمَّا عَلِمُوا أَنَّ الحُكُومَاتِ تَتَحَرَّكُ، بَلْ هِيَ مُتَوَاطِئَةٌ، مَا اكْتَفَتْ بِأَنْ تَكُونَ مُحَايِدَةً فِي هَذِهِ الحَرْبِ الدَّرْسِ الَّتِي تُشَنُّ عَلَى المُسْلِمِينَ فِي غَزَّةَ، بَلْ صَارُوا مُتَوَاطِئِينَ مَعَ الكَيَانِ، يَمُدُّونَهُ بِالأَغْذِيَةِ وَالمُؤَنِ وَالأَدْوِيَةِ وَالعُيُونِ وَالجَوَاسِيسِ وَالدَّلَالَةِ عَلَى عَوْرَاتِ المُجَاهِدِينَ، وَالفَتِّ فِي عَضُدِ المُسْلِمِينَ. لَمَّا عَلِمَ هَؤُلَاءِ أَنَّ هَذِهِ حُكُومَاتٍ حُكُومَاتٍ عَمِيلَةٍ لَا يُرْجَى مِنْهَا خَيْرٌ، سَارَعُوا إِلَى الخُرُوجِ، وَلَكِنْ مَا زَالَتِ العَرَاقِيلُ تُوضَعُ أَمَامَهُمْ، لِأَنَّ هُنَاكَ حُدُودًا مَحْرُوسَةً مِنْ قِبَلِ تِلْكَ الحُكُومَاتِ العَمِيلَةِ، لَا يَسْمَحُونَ لِأَحَدٍ بِأَنْ يُقَدِّمَ إِلَى أَهْلِ غَزَّةَ شَرْبَةَ مَاءٍ، وَلَا جُرْعَةَ دَوَاءٍ، وَلَا قِطْعَةَ غِذَاءٍ، بَلْ يَحُولُونَ دُونَ ذَلِكَ كُلِّهِ.
أَسْأَلُ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُجِيعَ مَنْ أَجَاعَهُمْ، وَأَنْ يُبْدِلَهُمْ بَعْدَ الأَمْنِ خَوْفًا، وَأَنْ يُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ مَنْ لَا يَرْحَمُهُمْ، وَأَنْ يُرِيَنَا فِيهِمْ عَجَائِبَ قُدْرَتِهِ، كُنْ لِإِخْوَانِنَا المُسْلِمِينَ فِي غَزَّةَ، اللَّهُمَّ أَطْعِمْهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمِنْهُمْ مِنْ خَوْفٍ، اللَّهُمَّ انْصُرْهُمْ نَصْرًا عَزِيزًا، وَافْتَحْ لَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا، وَكُنْ لَهُمْ نَاصِرًا وَمُعِينًا، اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِالصَّهَايِنَةِ المُجْرِمِينَ، وَبِمَنْ مِنَ المُنَافِقِينَ، اللَّهُمَّ أَحْصِهِمْ عَدَدًا، وَاقْتُلْهُمْ بَدَدًا، وَلَا تُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا، وَأَنْزِلْ بِهِمْ بَأْسَكَ الَّذِي لَا يُرَدُّ عَنِ القَوْمِ المُجْرِمِينَ، اللَّهُمَّ إِنَّ إِخْوَانَنَا فِي قَافِلَةِ الصُّمُودِ قَدْ خَرَجُوا نَصْرَةً لِإِخْوَانِهِمْ، احْفَظْهُمْ بِمَا تَحْفَظُ بِهِ عِبَادَكَ الصَّالِحِينَ، اللَّهُمَّ احْفَظْهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ، وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَمِنْ فَوْقِهِمْ، وَنَعُوذُ بِعَظَمَتِكَ أَنْ يُغْتَالُوا مِنْ تَحْتِهِمْ، اللَّهُمَّ مَنْ مَكَرَ بِهِمْ فَامْكُرْ بِهِ، وَمَنْ كَادَهُمْ كِدْهُ، وَلَا تُمَكِّنْ مِنْهُمْ مُنَافِقًا وَلَا عَمِيلًا وَلَا مَأْجُورًا، وَرُدَّهُمْ إِلَى دِيَارِهِمْ سَالِمِينَ غَانِمِينَ، إِنَّكَ عَلَى مَا تَشَاءُ قَدِيرٌ، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى جَمِيعِ المُرْسَلِينَ، وَأَقِمِ الصَّلَاةَ.