الفتاوى

شبهات حول أهل بدر

السلام عليكم ورحمة الله؛ أرسل لي أحد الأصدقاء هذه الرسالة منذ أن قرأتها وأنا في حيرة من أمري أمام هذه الشبهة الخطيرة، ولا أدري كيف أجيب؟ فإن كان لكم جواب أرجو إنقاذي به ولكم جزيل الشكر نص الرسالة:

{أجمع أهل السنة والجماعة على أن أهل {بدر} كلهم في الجنة، وهذا مقتطفات من الإجماع: روى أحمد بسند صحيح أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (لاَ يَدْخُلُ النَّارَ أَحَدٌ شَهِدَ بَدْراً وَالْحُدَيْبِيَةَ) رواه أحمد وابن ماجه، وصححه الألباني. وفي الحديثين: دليل أن الله -تعالى- عصمهم من الشرك وغفر لهم ما دون ذلك، قال عمر بن الخطاب: يا رسول الله دعني أضرب عنقه، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: أليس من أهل بدر؟ ولعل الله اطلع على أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم – أو قال:- قد وجبت لكم الجنة {صحيح البخاري الجهاد والسير 2845- صحيح مسلم فضائل الصحابة 2494-سنن الترمذي تفسير القرآن 3305- سنن أبي داود الجهاد 2650- مسند أحمد 1/ 80} قال ابن تیمیة: {أن أهل السنة عندهم أن أهل بدر كلهم في الجنة}. منهاج السنة ج4 ص166 وقال : قد ثبت بأدلة الكتاب والسنة أن أفضل الأمة أهل بدر ثم أهل بيعة الرضوان {مجموع الفتاوي} وقال الآلوسي: إن أهل بدر خلاصة المؤمنين {روح المعاني} وهذا غيض من فيض.

السؤال: كيف يكون أهل بدر خير الأمة وفيهم مجموعة كبيرة من المنافقين وعلی رأسهم مُعّتب بن قشير حيث ذكره في أهل بدر كل من: {ابن هشام في السيرة النبوية، ابن سعد في الطبقات الكبرى، ابن عبد البر في الاستيعاب، ابن الأثير في أسد الغابة، ابن حجر في الإصابة. أما الدليل على نفاقه: فهو الذي قال يوم أُحد: {يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحَّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ}، وهو الذي قال يوم الخندق: {وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غروراً} وهو من الذين بنوا مسجد ضرار، فقال الله في حقهم: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِّمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ}. المصادر: {ابن كثير في تفسيره، الطبري في تفسيره، القرطبي، الطبراني، السيوطي في الدر المنثور، الفخر الرازي، الزمخشري في الكشاف}

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أما بعد.

فما هذه بشبهة خطيرة، بل هي تخرصات وأكاذيب ليس إلا؟ وقد توهمها كذاب أشر أو جاهل ممخرق، ويتضح لك ذلك من قوله (وفيهم مجموعة كبيرة من المنافقين) ثم لا يذكر من هذه المجموعة الكبيرة إلا واحدا!!! ثم إن أهل السير والتواريخ متفقون على أن النفاق ما نجم إلا بعد بدر؛ إذ قبلها لا معنى لوجوده لأن المسلمين كانوا قلة مستضعفين في الأرض يخافون أن يتخطفهم الناس؛ ولا يُرجى خيرهم ولا يُخشى بأسُهم؛ ولكن بعد أن نصرهم الله في بدر، وعادوا بالغنائم قال ابن سلول: إن هذا أمر قد توجَّه!! فدخل في الإسلام هو ومن كانوا على شاكلته نفاقاً ورياء ليصيبوا شيئاً من عرض الدنيا؛ كما قال الله عنهم {الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا}

ثم سؤال يُطرح في هذا الباب: إن هذا الكذاب قد أحال على الطبري وابن كثير والطبراني والرازي والزمخشري والسيوطي؛ فهل أحد من هؤلاء قد ذكر أن في أهل بدر منافقين؛ أو أن معتب بن قشير المنافق هو ذات الذي شهد بدراً؟ فإذا كان في المنافقين من سمِّى معتب بن قشير؛ فأي دليل على أنه معتب بن قشير الذي شهد بدراً؟ ما المانع أن يكون ثمة اشتراك في الاسم؟ مثلما قال بعضهم: إن قوله تعالى {ومِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (75) فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (76) فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} نازل في شأن ثعلبة بن حاطب، وفي الوقت نفسه عدُّوا من البدريين رجلاً اسمه ثعلبة بن حاطب، ونبَّهوا على أنهما اسمان لذاتين مختلفتين، وهذا مشاهَد بكثرة حتى يومنا هذا بأن يشترك شخصان في اسم واحد، وبينهما في الصفات والأخلاق كما بين المشرق والمغرب.

خلاصة الأمر أن القرآن الكريم قد أثنى على مجموع الصحابة الكرام عليهم من الله الرضوان، وتواترت نصوص السنة في بيان فضلهم جملة، والثناء على آحادهم بما آتاهم الله عز وجل من قلوب مخبتة ونفوس مطمئنة ورغبة فيما عند الله، وهذا الذي ينبغي أن ينعقد عليه قلبك ليسلم لك دينك، أما حكايات الإخباريين وشبهات المستشرقين فلا يتعلق بها سوى مرضى القلوب من الروافض ومن لفَّ لفَّهم؛ أسأل الله أن يكفينا شرورهم ويجعل كيدهم في نحورهم، والله الموفق والمستعان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى