الفتاوى

  • الأكل والشرب في نهار رمضان

    ما حكم من أكل أو شرب عمداً في نهار رمضان؟ وما حكم من فعل ذلك ناسياً؟

    الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.

    فمن أكل أو شرب عمداً في نهار رمضان فقد بطل صومه باتفاق أهل العلم، وأثم إثماً كبيراً واحتقب وزراً عظيماً، ويجب عليه أن يرجع إلى الله بتوبة نصوح، ويجب عليه القضاء باتفاق، ويجب عليه مع القضاء الكفارة عند الحنفية والمالكية وذلك بصيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكيناً أو عتق رقبة؛ لما ثبت في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: بينما نحن جلوس عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل فقال: يا رسول الله هلكت! قال {ما لك؟} قال: وقعت على امرأتي وأنا صائم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم {هل تجد رقبة تعتقها؟} قال: لا. قال {فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين} قال: لا. فقال {فهل تجد إطعام ستين مسكينا} قال: لا. قال: فمكث النبي صلى الله عليه وسلم، فبينا نحن على ذلك أتي النبي صلى الله عليه وسلم بعرق فيها تمر والعرق المكتل قال {أين السائل؟} فقال: أنا. قال {خذها فتصدق به} فقال الرجل: أعلى أفقر مني يا رسول الله؟ فوالله ما بين لابتيها ـ يريد الحرتين ـ أهل بيت أفقر من أهل بيتي! فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه ثم قال {أطعمه أهلك} وقد قال الحنفية والمالكية بعدم الفرق بين من أفطر بجماع ومن أفطر بطعام أو شراب، أما الشافعية والحنابلة فقد ذهبوا إلى أن هذه الكفارة خاصة بمن أفطر بجماع أما من أفطر بغيره فليس عليه سوى القضاء. وكلا الفريقين يستدل بحديث أبي هريرة السابق، لكنهم يختلفون في تنقيح مناط الحكم هل هو انتهاك حرمة الشهر بإفساده بخصوص الجماع عمداً، أو هو انتهاكه بإفساد صومه عمداً مطلقاً ولو بطعام أو شراب؟

    أما من أكل أو شرب ناسياً فليس عليه شيء في قول جمهور العلماء؛ لما ثبت من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال {من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه} رواه الجماعة. أما المالكية فيقولون بوجوب القضاء على من أكل أو شرب ناسياً؛ ويتأولون الإتمام في الحديث السابق بالتمادي في صيام اليوم؛ لأن السهو يرفع الإثم ولا يسقط الحكم؛ ويقيسون الناسي في الصوم على الناسي في الصلاة، والراجح هو قول الجمهور؛ لما رواه الحاكم {من أفطر في رمضان ناسيا فلا قضاء ولا كفارة} قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في بلوغ المرام: وهو صحيح.

    وبذلك يتبين أن الناسي لا شيء عليه بدلالة نفي القضاء عنه والكفارة، وهذا الذي يتفق مع نصوص الشريعة؛ لقوله تعالى )ربنا لا تؤاخذنا أن نسينا أو أخطأنا( وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى قال: قد فعلت. والله تعالى أعلم.

  • أُصيب برعاف فأفطر

    أصيب رجل برعاف في نهار رمضان فما حكم صومه؟ وماذا عليه إذا أفطر؟

    الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.

    فالرعاف الذي هو خروج الدم من الأنف لا تأثير له على صحة الصوم؛ لأنه خارج بغير اختيار منه، وخروج الدم الذي لا يمكن الاحتراز منه ـ سوى دم الحيض والنفاس ـ لا يفطر، وقد حكم النبي صلى الله عليه وسلم بصحة صوم من ذرعه القيء؛ فهذا من باب أولى، وإذا أفطر الراعف بسبب ضعفه عن إكمال اليوم فليس عليه سوى القضاء، أما لو أفطر ظناً منه بأن الرعاف مفسد للصوم فليس عليه سوى القضاء كذلك؛ لأنه متأوِّل تأويلاً قريباً، وليستغفر الله من تقصيره في طلب العلم الواجب عليه، والله تعالى أعلم.

  • حكم عادة الجرتق

    ما حكم الجرتق كعادة سودانية خالية من أي ناحية عقدية؟

    الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.

    الجرتق عادة أدمنها بعض الناس في أعراسهم والحال ـ كما وصف النساء ـ أن العروسين ليلة زفافهما يجلسان فتقوم إحدى النساء برش اللبن عليهما ويُربط للعريس ما يسمى بالضريرة وهي حريرة يتوسطها شيء من الذهب، وفي الوقت نفسه يغني النساء ويزغردن، ولا شك أن هذه العادة قد اشتملت على جملة من المفاسد:

    أولها: أن بعض النسوة قد ارتبط اعتقادهن بحصول الحمل من عدمه بهذه العادة، فمن أجريت له تلك الطقوس ستحمل زوجه وتكون له ذرية ومن لا فلا، وهذا يعارض قول ربنا سبحانه وتعالى {قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون} وقوله تعالى {ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله}

    ثانياً: أن مخالفات شرعية ترتكب حال القيام بتلك العادة، ومن ذلك:

    • الاختلاط الحاصل بين الجنسين حيث إن الرجل يجلس بين جماعة من النساء أغلبهن لسن من محارمه، ولربما يدخل ويجلس على تلك الحال غيره كذلك
    • تحليه بالذهب والحرير وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم فيهما: {هذان حرام على ذكور أمتي حلٌّ لإناثها}
    • ما يصحب تلك الحال من أغان وأهازيج لا تخلو مما لا ينبغي ذكره عن محاسن العروس ووصف لجسدها وما إلى ذلك
    • قيام بعضهن برش العروسين باللبن، وهذا من تحقير نعمة الله واستخدامها في غير ما خلقت له {من بين فرث ودم لبناً خالصاً سائغاً للشاربين}

    والذي أنصح به كل عروسين أن يحرصا على افتتاح حياتهما بطاعة الله عز وجل فبالطاعة يحصل الخير ويقل الشر وتقترب الملائكة وتبتعد الشياطين، وحريٌّ بمن أكرمه الله بالزواج أن يشكر ربه على نعمته، وأن يستعملها في طاعته، وأن يحيي سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم في الزواج بأن يشرب مع عروسه لبناً وأن يدعو بأن يبارك الله له فيها، وأن يجعل بيته عامراً بالقرآن وطاعة الرحمن، وأسأل الله الهداية للجميع.

  • التبرع بشبكة الذهب

    أريد التبرع بشبكتي (ذهب) ولكني إذا فعلتها قبل الزواج أغضبت أمي، وإذا فعلتها بعده أغضبت بعلي؛ فهل الأولى أن أتزين به لبعلي أم أنها من المهر الذي هو حر مالي يجوز لي التبرع به.

    الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.

    فإذا علم من نيتك الحرص على التبرع لولا غضب أمك فإنه سبحانه يكتب لك الأجر والثواب كما ثبت في الحديث أنه من همَّ بحسنة فلم يعملها كتبها الله حسنة كاملة، والواجب عليك أمة الله أن تتزيني بتلك الشبكة لزوجك؛ إذ ليست هي من المهر الذي يحل لك التصرف فيه بأنواع التصرفات المشروعة، بل هو من قبيل الزينة التي ترجع لمصلحة زوجك شأنها شأن متاع البيت وغيره مما تعود ملكيته لزوجك، والعلم عند الله تعالى.

  • الاقتراض من صاحب المال المختلط

    هل يجوز الاقتراض من شخص أعلم أن ماله مختلط بين الحلال والحرام ولا أدري من أي المالين سيقرضني؟

    الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.

    فإذا كان مال ذلك الشخص من حرام محض، كما لو كان يتجر في الخمور أو المخدرات وليس له دخل سواه فلا يجوز لك أن تقترض منه، لعموم الأدلة الناهية عن أكل الحرام؛ كقوله صلى الله عليه وسلم {يا كعب بن عجرة إنه لا يربو لحم نبت من سحت إلا كانت النار أولى به} رواه أحمد والترمذي، وأما إذا كان ماله مختلطاً حلاله بحرامه فلا حرج عليك في الأكل من طعامه أو قبول هديته وأولى الاقتراض منه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قبل هدية المقوقس حاكم مصر وأكل من طعام يهودية ومعلوم أن أموالهم لا تسلم من حرام أو شبهة، وإذا جاز قبول هدية وأكل طعام من كان حاله كذلك فأولى الاقتراض منه، والعلم عند الله تعالى.

  • حكم العمليات الإستشهادية

    تحت قيادة في حرب هل تجوز العمليات الاستشهادية وإن كانت في فلسطين أو العراق؟

    الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.

     العمليات الاستشهادية أعمال يقوم بها المجاهدون تودي في الغالب بحياتهم؛ وذلك بأن يربط على جسده حزاماً ناسفاً أو يضع في سيارته متفجرات، وغرضهم من ذلك النكاية في أعداء الله عز وجل وإرهابهم وزرع الخوف في قلوبهم؛ ولمعرفة حكم هذه العمليات لا بد من بيان أمور قد تخفى على الناس في زماننا هذا، وهي:

    أولاً: أن الواجب الشرعي يحتم على المجاهدين المسلمين سؤال أهل العلم والنزول على رأيهم فيما يعرض لهم من حوادث؛ عملاً بقوله تعالى {وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم} والعلماء الذين هم في ميدان القتال أعرف بالواقع وأقدر على تنزيل نصوص الشرع عليه من غيرهم، وظننا بإخواننا المجاهدين في سبيل الله حقاً أنهم يصدرون فيما يأتون من أفعال عن فتاوى لأهل العلم الراسخين العارفين بمقاصد الشرع.

    ثانياً: أن دفع الكفار واجب وجهادهم متحتم؛ لما في ذلك من المصالح العظيمة التي دلت عليها النصوص الشرعية كقول الله تعالى {قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين ويذهب غيظ قلوبهم} وقوله {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله} كما أن ترك دفعهم وجهادهم يترتب عليه من المفاسد ما نراه ماثلاً للعيان في منع المؤمنين من القيام بشعائر دينهم والتضييق عليهم، وإظهار الأحكام والقوانين المنافية للإسلام وزهد الآخرين في الدين حين يرون ما عليه أهله من الذلّة والمهانة؛ خاصة أننا نعيش في عالم لا يحترم إلا القوة والأقوياء

    ثالثاً: أنه إذا تعارضت المصالح والمفاسد في العمل الذي يقوم به المجاهد ـ أياً كان ذلك العمل ـ فإن أمكن تحصيل المصالح ودرء المفاسد فهو المطلوب، وإن لم يمكن تحصيل المصلحة إلا بارتكاب شيء من المفاسد فينظر في هذه الحالة إلى الراجح والغالب منهما؛ فإن كان الغالب المصلحة لم ينظر إلى المفسدة اللاحقة، وإن كان الغالب المفسدة لم ينظر إلى المصلحة. وهذه قاعدة مضطردة يقررها أهل العلم، وتتعدد الأمثلة الدالة عليها من سيرة النبي e وهديه.

    رابعاً: العمليات الاستشهادية الواردة في السؤال لا ينتظمها حكم واحد؛ بل هناك عمليات لا إشكال فيها، وهي التي يشتبك فيها المجاهد المسلم مع عدوه وهم كثير عددهم وقد غلب على ظنه الهلاك؛ لكنه يُقدِم على ذلك بقصد إلحاق الضرر بعدوه وبثِّ الرعب في نفوس مقاتليه وتجرئة المسلمين عليه، من جنس ما فعله عمير بن الحمام رضي الله عنه يوم بدر والبراء بن مالك رضي الله عنه في قتال مسيلمة وأصحابه حين ألقاه المسلمون ليفتح لهم باب الحديقة التي سميت حديقة الموت، وبه أفتى أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه؛ كما في سنن أبي داود من حديث أسلم بن عمران قال: غزونا من المدينة نريد القسطنطينية وعلى الجماعة عبد الرحمن بن خالد بن الوليد والروم ملصقون ظهورهم بحائط المدينة، فحمل رجل على العدو فقال الناس: مه، مه، لا إله إلا الله يلقي بيده إلى التهلكة، فقال أبو أيوب: إنما نزلت هذه الآية فينا معشر الأنصار، لما نصر الله نبيه وأظهر الإسلام، قلنا: هلم نقيم في أموالنا ونصلحها، فأنزل الله {وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} فالإلقاء بالأيدي إلى التهلكة أن نقيم في أموالنا ونصلحها وندع الجهاد}، قال القرطبي رحمه الله: والصحيح عندي جواز الاقتحام على العساكر لمن لا طاقة له بهم؛ لأن فيه أربعة وجوه: الأول: طلب الشهادة، الثاني: وجود النكاية، الثالث: تجرئة المسلمين عليهم، الرابع: ضعف نفوسهم ليروا أن هذا صنيع واحد فما ظنك بالجمع.أ.هـ ومن صورها التي لا خلاف عليها كذلك أن يبادر المجاهد العدو، أو يحمي إخوانه بنفسه، فيؤْثِر إخوانه بالحياة، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يُؤْثِرُ إخوانه على نفسه، فيبادر إلى لقاء العدّو دونهم؛ من جنس ما فعله صلى الله عليه وسلم يوم حنين حيث كان يركض ببغلته نحو العدو بعدما انكشف الناس وهو يقول: أنا النبي لا كذب أنا عبد المطلب.

    خامساً: أما العمليات التي يتعرَّض فيها المجاهد للموت بسلاح نفسه؛ فالذي يظهر من الأدلة ـ والعلم عند الله تعالى ـ هو القول بجوازها بشروط معينة، ومن الأدلة على ذلك:

    ① ما ثبت في الصحيحين عن يزيد بن أبي عبيد قال: قلت لسلمة بن الأكوع رضي الله عنه: على أي شيء بايعتم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية؟ قال: على الموت.

    ② ما ثبت في صحيح مسلم من حديث صهيب الرومي t في قصة أصحاب الأخدود، وفيها أن الغلام هو الذي دلَّ الملك على كيفية قتله رجاء أن يسلم الناس؛ فدلَّ على ذلك على أن إيثار العطب على السلامة يكون محموداً لو كان فيه تحقيق مصلحة الدين.

    ③ أن هذه العمليات تتحقق بها ضرورة حفظ الدين مع فيها من إهلاك النفس، ولا شك أن حفظ الدين أهم من حفظ النفس.

    ④ أن هذه العمليات قد تتعين سبيلاً وحيداً للنكاية بالعدو، وقد قرر علماؤنا أنه يجوز في حال الضيق والاضطرار ما لا يجوز في حال السعة والاختيار؛ والمجاهدون المسلمون الآن في فلسطين والعراق والشيشان وفي أغلب بلاد الله لا يملكون ما يملك عدوهم من الطائرات والدبابات والصواريخ وغيرها من الوسائل؛ خاصة وأن العدو حاله كما وصف ربنا جل جلاله {لا يقاتلونكم جميعاً إلا في قرى محصنة أو من وراء جدار }

    وعليه يقال: إذا تضمن العمل الاستشهادي مصلحة للمسلمين وغلب على الظن تحقق النكاية بأعدائهم، ولم يكن فيه مفسدة تربو على المصلحة كأن تزيد ضراوة الكفار مثلاً ويشتد كَلَبُهم على المسلمين، وكان المجاهد قد أخلص لربه فيما يقوم به، ولم يوجد سبيل آخر تتحقق به النكاية فلا حرج في القيام بها، والمجاهد المقتول في تلك العمليات شهيد إن شاء الله، والله تعالى أعلم.

  • صبغ الشعر بالسواد

    هل وردت أقوال مختلف فيها حول الصبغ باللون الأسود، وقد ظهرت حنا مصطنعة باللون الأسود ويحتج بعض الناس بأنها حناء؟

    الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.

    فقد ورد في استحباب تغيير الشيب أحاديث منها ما أخرجه الشيخان من حديث ابن عباس رضي الله عنه بلفظ (إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم) وعند الترمذي بلفظ (غيِّروا الشيب ولا تشبَّهوا باليهود) وعند أبي داود والترمذي ـ وحسَّنه ـ والنسائي وابن ماجه من حديث أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن أحسن ما غُيِّر به هذا الشيب الحناء والكتم) وأخرج أبو داود والنسائي عن ابن عمر رضي الله عنهما (أنه كان يصبغ لحيته بالصفرة ويقول: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصبغ بها، ولم يكن أحب إليه منها، وكان يصبغ بها ثيابه)

    وقد نقل النووي رحمه الله في المجموع اتفاق العلماء على ذم خضاب الرأس أو اللحية بالسواد. ثم ذكر اختلاف العلماء في القول بالكراهة أو الحرمة، وصحح القول بالتحريم فقال: والصحيح بل الصواب أنه حرام، إلا أن يكون في الجهاد، ودليل تحريمه حديث جابر رضي الله عنه قال: (أتي بأبي قحافة والد أبي بكر الصديق رضي الله عنه يوم فتح مكة ورأسه ولحيته كالثغامة بياضا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: غيِّروا هذا واجتنبوا السواد) رواه مسلم في صحيحه. والثغامة بفتح الثاء المثلثة وتخفيف الغين المعجمة نبات له ثمر أبيض وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (يكون قوم يخضبون في آخر الزمان بالسواد كحواصل الحمام لا يريحون رائحة الجنة) رواه أبو داود والنسائي وغيرهما. وفي المغني لابن قدامة رحمه الله: قيل لأبي عبد الله ـ يعني الإمام أحمد ـ تكره الخضاب بالسواد؟ قال: إي والله.

    وقد نقل عن جماعة من السلف أنهم كانوا يصبغون بالسواد منهم عثمان والحسن والحسين وعقبة بن عامر وابن سيرين وأبي بردة وآخرين رضي الله عنهم، وعلى فرض ثبوت ذلك عنهم فإنه لا ينهض لمعارضة النهي الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا ولا فرق في المنع من الخضاب بالسواد بين الرجل والمرأة والشاب والشيخ لعدم ورود مخصص، والعلم عند الله تعالى.

  • إقرار مشفوع باليمين

    أنا أعمل بالسعودية، وقد اشتريت قطعة أرض في منطقة اسمها فتيح العقليين بعد الكلاكلة بحر مالي من أهالي، ولم يتم تسجيلها إلى الآن، وكنت أعمل سابقاً بالبريد والبرق، وقدمنا أنا وزوجتي لقطعة أرض في الخطة السكنية الفئوية بأسمائنا نحن الاثنين وطلعت الأرض في هذه الأيام، وأرسلنا توكيلاً لشقيق زوجتي لتسجيلها بأسمائنا، ولكن طلبوا منه أن نرسل إقراراً مشفوعاً باليمين من السفارة بالرياض على أنني لم أحصل ولم أمنح أرضاً سكنية في الخطط الرسمية أو السكن العشوائي بولايات السودان، وقد قمت بالحلف على ذلك لكن لم أرسل هذا الإقرار إلى الآن، فهل حلفي صحيح أم تترتب عليه إشكالات؟

    الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.

    فالإقرار المشفوع باليمين كتابةً هو بمنزلة اليمين المتلفظ بها؛ فإذا كان الواقع مخالفاً لما في الإقرار كان بمنزلة اليمين الغموس التي عدَّها النبي صلى الله عليه وسلم من أكبر الكبائر وقد قال الله جل جلاله )إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمناً قليلاً أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم( فلا يجوز لك أيها الأخ الكريم أن تحلف على شيء وأنت تعلم أنه خلاف الواقع، وما دمت قد حزت قطعة أرض ولو بالشراء من حر مالك فلا يحق لك أن تحلف، ومن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه، والعلم عند الله تعالى.

  • حكم التجارة في صالات الألعاب الإلكترونية

    لي مشروع قائم على ألعاب الكمبيوتر في صالة صغيرة تحتوي على مجموعة من أجهزة الكمبيوتر يأتي الأطفال ويلعبون ألعاباً ليس بها أي صور للنساء، وفيها بعض المتعة مقابل مبلغ مالي، فما حكم ذلك؟

    الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.

    فهذه المعاملة تندرج تحت الإجارة المشروعة التي لا حرج فيها ما دامت تلك الألعاب لا تشتمل على محظور شرعي، وعليك مراقبة الأمر حتى لا يؤدي إلى حرام من تضييع للصلوات أو حصول ما لا يرضي الله من ميسر أو سباب وشتائم بين الأطفال اللاعبين، والعلم عند الله تعالى.

  • أهملها وتزوج بأخرى

    أسرة سعيدة لديها ستة أطفال أكبرهم لم يتجاوز أكبرهم ثلاثة عشر عاماً، الزوجة صابرة على إهمال زوجها بمتابعة الأولاد الذكور خاصة أنهم خمسة، وتبذل له الأعذار من أن المرأة لا بد أن تصبر على التربية وتتابع أولادها، وبدلاً من أن يقدر لها ذلك قام بالزواج بأخرى وهو يرى أنه لم يفعل غلط، مع العلم أن الزوجة الأولى تعنى ببيته ووالديه وكثيراً ما تستضيف أهله، فهل هكذا تجزى النساء الصابرات؟ وهل تغيِّر معاملتها معه لكي تحفظ كرامتها؟

    الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.

    أولاً: الواجب على الزوج أن يهتم بأولاده ذكوراً وإناثاً، تربية وتوجيهاً وتعليماً وتثقيفاً، وأن يؤدبهم على حب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وحب آل بيته وقراءة القرآن، وأن يلقنهم المعارف الإسلامية الصحيحة حتى يكونوا قرة عين له؛ عملاً بقول ربنا جل جلاله {يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة} ولو قصر الزوج في ذلك ناله من الإثم بقدر ما حصل منه من تقصير.

    ثانياً: ما تقوم به الزوجة من قيام  بحق زوجها ومتابعة لأولادها أمر واجب عليها لكنه تؤجر عليه وتثاب مثلما تثاب على سائر الواجبات الشرعية من صلاة وصيام، وعليها أن تبتغي بذلك وجه الله ولا تكن منانة على زوجها بذلك لئلا توغر صدره عليها، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم {والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها}، وعليها أن تستمر في الإحسان إليه وإلى أهله، ولتتذكر قول القائل:   من يفعل الخير لا يعدم جوازيه                  لا يذهب العرف بين الله والناس

    ثالثاً: زواج الرجل بامرأة أخرى لا حرج فيه ما دام ينشد العدل ويحرص عليه، وليس لنا الاعتراض عليه في ذلك، بل الواجب تذكيره بما أوجب الله عليه من القيام بحق زوجه وعياله سواء تزوج بثانية أولم يتزوج، وعلى من تزوج بثانية أن يتقي الله في دينه ونفسه وألا يكون داعية سوء لتشريعات الإسلام بحرصه على شهوة نفسه مع إهماله لبيته وعياله، والله الهادي إلى سواء السبيل.

زر الذهاب إلى الأعلى