الفتاوى

  • حال السلف في رمضان

    أريد معرفة المراجع التي تتكلم عن كيفية تعامل السلف الصالح والأئمة الأربعة مع كتاب الله في شهر رمضان؟

    الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.

    فمن الكتب التي تناولت هذا الأمر تفصيلاً كتاب الإمام أبي زكريا يحيى بن شرف النووي رحمه الله تعالى المسمَّى (التبيان في آداب حملة القرآن) ويمكنك كذلك الرجوع إلى كتاب (مجالس شهر رمضان) للشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى، أو كتاب (دروس شهر رمضان) للشيخ عبد الملك القاسم وفقه الله.

  • حكم العمل في السلاح الطبي

    أنا شاب متدين ـ والحمد لله ـ تخرجت من كلية طبية، أريد أن أقدم في القوات المسلحة السودانية كضابط فني طبي، وعملي سيكون في السلاح الطبي، سؤالي هو: في ظل الأوضاع الراهنة، وأنا أريد النجاة بديني يوم القيامة، هل يجوز لي العمل في القوات المسلحة كضابط طبي في السلاح الطبي؟ أريد إجابة شاملة وكاملة في هذا السؤال لأنه سيكون مستقبلي ورزقي

    الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.

    فشكر الله لك أيها الشاب حرصك على معرفة أحكام دينك وتطييب رزقك، وزادك الله تقى وهدى وعفافاً وغنى، وجعل قابل أيامك خيراً من دابرها، وجواباً على سؤالك أقول: إن المسلم الصالح ـ طبيباً كان أو غيره ـ يحرص على أن يترك أثراً صالحاً في كل مكان يحل به، ويحرص على نفع إخوانه عملاً بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم {أحب الأعمال إلى الله سرور تدخله على مسلم، تكشف عنه كربة، أو تطرد عنه جوعاً، أو تقضي عنه ديْناً، ولأن أمشي في حاجة مسلم أحب إلي من أن أعتكف شهراً} وهذه النصوص عامة في كل زمان ومكان، وقد علَّمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن في كل كبد رطبة أجراً، فاحرص ـ رعاك الله ـ على استحضار نية صالحة في أن يكون عملك هذا سبباً في تنفيس كربات الناس وتفريج همومهم والتخفيف عنهم، ليقع أجرك على الله، ويكون علمك وعملك في سبيل الله.

    وبخصوص ما سألت عنه من العمل في السلاح الطبي؛ فلا يشك عاقل في أن المسلمين لا غنى لهم عن جيوش وشرطة تحفظ على الناس أمنهم وتحمي ثغورهم، وأن العمل في هذه الأجهزة ـ مع النية الصالحة ـ قربة إلى الله تعالى، وإني لأعلم أن هذه الأجهزة لا تسلم من مخالفات شرعية قد تضيق بها صدور الصالحين، لكن لا يعني ذلك أن العمل فيها محرَّم؛ إذ المخالفات لا يخلو منها غيرها من الجهات، ثم إن عملك ـ مع استحضار النية الصالحة ـ تربو مصلحته على مفسدته، وقد كان الصالحون من عباد الله يغزون مع جيوش قد لا تخلو من معاصي ولا يسلم قادتها من جور؛ رجاء أن يُصلح الله بهم، وأن يكتب لهم الأجر بحسب نياتهم، والله تعالى أعلم

  • قاطعتني أمي بسبب زواجي

    تزوجت رجلاً حسن الخلق متمسك بدينه، وأحبني مثلما أحببته، ولكن أمي قاطعتني وتبرأت مني، فما رأي الدين في زواجي هذا بسبب أنه ليس من قبيلتي؟

    الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.

    فالواجب على البنت بر أمها والإحسان إليها والقيام بحقها، مهما كان ظلمها لها أو تعديها عليها؛ لعموم قوله تعالى {وبالوالدين إحساناً} وقوله صلى الله عليه وسلم {أمك ثم أمك ثم أمك ثم أباك} وستجد عند الله تعالى الجزاء الأوفى والثواب الأكبر.

    وعلى الأم أن تتقي الله في بنتها وأن تعلم أنها رحم لا يجوز لها هجرها ولا قطعها، بل الواجب القيام بحقها وإشعارها بالرضا عنها، وعليها أن تعلم أن الزواج مبناه في الإسلام على الرضا، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قد جعل الدين والخلق هو الأساس في اختيار الزوج {إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير} وقد كان حرياً بالبنت أن ترضي أمها قبل الزواج، ولكن ما دام زواجها من ذلك الرجل قد أصبح واقعاً فعلى الأم أن ترضى بقدر الله تعالى، ولتتذكر قوله جل جلاله )وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون( وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.

  • العلة في إفراد الأرض وجمع السماوات

    يقول الله تعالى في آيات كثيرة منها {وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض} فلماذا لم يذكر الله تعالى السموات بالجمع؟ ولم يذكر الأرض إلا مفردة كأنها أرض واحدة، والله تعالى يقول في سورة التغابن {الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن} أي أن السموات السبع مثلهن الأرضين السبع. أفتوانا مأجورين.

    الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.

    فالآية التي ذكرتها {الله الذي خلق سبع سموات ومن الأرض مثلهن} هي في سورة الطلاق لا التغابن، وقول الجمهور في تفسيرها أن المثلية فيها مثلية عدد لا صفة؛ وأنها سبع أرضين طباقاً بعضها فوق بعض، بين كل أرض وأرض مسافة كما بين السماء والسماء، وفي كل أرض سكان من خلق الله؛ لما ثبت في الصحيحين من حديث سعيد بن زيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال {من ظلم قيد شبر من الأرض طوقه من سبع أرضين} وفي الحديث الآخر {ما السموات السبع وما فيهن وما بينهن، والأرضون السبع وما فيهن وما بينهم، في الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة} رواه ابن حبان عن أبي ذر رضي الله عنه وصححه. قال الحافظ ابن حجر: وأخرجه سعيد بن منصور في التفسير عن مجاهد بإسناد صحيح عنه.ا.هـ  وروى ابن حبان من حديث صهيب رضي الله عنه أن محمداً صلى الله عليه وسلم لم ير قرية يريد دخولها إلا قال حين يراها {اللهم رب السماوات السبع وما أظللن ورب الأرضين السبع وما أقللن ورب الشياطين وما أضللن ورب الرياح وما أذرين إنا نسألك خير هذه القرية وخير أهلها ونعود بك من شرها وشر أهلها وشر ما فيها} وما رواه النسائي وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال { لو أن السموات  السبع وعامرهن، والأرضين السبع جعلن في كفة، ولا إله إلا الله في كفة؛ لمالت بهن لا إله إلا الله}

    أما جمع السموات وإفراد الأرض فلعله ـ كما قال بعض المفسرين ـ أن سعة الأرض بالنسبة إلى السموات كحصاة في صحراء، فالأرض ـ وإن تعددت ـ كالواحدة بالنسبة للسموات، فاختير لها اسم الجنس، وقيل: إن المقصود بالأرض السفل والتحت لا ذات الأرض، وهم السفل والتحت مما لا يجمع لفظه، والعلم عند الله تعالى.

  • رد التحية في الصلاة

    هل يجوز يا شيخنا أن أسلِّم وأنا أدخل المسجد ويرد عليَّ المصلي بالإشارة برفع يده ولو قليلاً؟ هذا الكلام قاله مدرس وأنا أتمنى منك أن تعلمنا ما هي حقيقة هذا الموضوع؟ وجزاك الله خيرا.

    الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.

    فقد أخرج أبو داود والترمذي ـ وصححه ـ وأحمد والنسائي وابن ماجه عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قلت لبلال: كيف  رأيت  النبي صلى الله عليه وسلم يرد عليهم حين يسلِّمون عليه وهو يصلي؟ قال: يقول هكذا، وبسط كفه} وقد استدل بهذا الحديث من قال من أهل العلم بأن المصلي يرد على من سلَّم بإشارة دون النطق. ومنهم من قال بأنه يرد بعد السلام من الصلاة، وقال قوم: يرد في نفسه، والقول الأول هو الأقرب للدليل.

    وأما كيفية الإشارة فقد وردت في مسند الإمام أحمد من حديث صهيب رضي الله عنه قال { مررت برسول  الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فسلَّمت فرد عليَّ إشارة} قال الراوي: لا أعلمه إلا قال {إشارة بأصبعه} وفي حديث ابن عمر في وصفه لرده صلى الله عليه وسلم على الأنصار {أنه قال هكذا} وبسط  جعفر بن عون ـ الراوي عن ابن عمر ـ كفه وجعل بطنه أسفل، وجعل ظهره إلى فوق} قال الصنعاني رحمه الله تعالى: فتحصَّل من هذا أنه يجيب المصلي بالإشارة إما برأسه، لحديث ابن مسعود عند البيهقي بلفظ {فأومأ برأسه} أو بيده، أو بأصبعه، والظاهر أنه ـ يعني الرد ـ واجب؛ لأن الرد بالقول واجب؛ وقد تعذَّر في الصلاة؛ فبقي الرد بأي ممكن؛ وقد أمكن بالإشارة، وجعله الشارع رداً، وسماه الصحابة رداً، ودخل تحت قوله تعالى )أو ردوها(ا.هـ.

    وأما حديث ابن مسعود رضي الله عنه في الصحيحين {سلَّمنا عليه فلم يرد علينا} فقد قال الشوكاني رحمه الله تعالى: ينبغي أن يحمل الرد المنفي ههنا على الرد بالكلام لا الرد بالإشارة لأن ابن مسعود نفسه قد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رد عليه بالإشارة، ولو لم ترد عنه هذه الرواية لكان الواجب هو ذلك؛  جمعاً بين الأحاديث.ا.هـ والعلم عند الله تعالى.

  • حكم تناول التمباك

    ما حكم تناول التمباك (السعوط)؟

    الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.

    فلا يجوز تناول التمباك ولا الاتجار فيه ولا الترويج له ولا الإعانة على شيء من ذلك؛ لأدلة متضافرة من القرآن والسنة والنظر الصحيح، ومنها:

    1ـ قول الله تعالى في وصف نبيه محمد صلى الله عليه وسلم {يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحلُّ لهم الطيبات ويحرِّم عليهم الخبائث} والعقلاء متفقون على كون التمباك خبيثاً في شكله وريحه وأثره

    2ـ قوله تعالى {ولا تقتلوا أنفسكم} وقد ثبت ـ طباً ـ أن تناول السعوط سبب لأمراض مستعصية تؤول بصاحبها إلى الموت مثل السرطان

    3ـ قوله تعالى )ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة( قال صاحب المنار رحمه الله تعالى: قال بعضهم: يدخل فيه الإسراف الذي يوقع صاحبه في الفقر المدقع، فهو من قبيل )وكلوا واشربوا ولا تسرفوا( المنار2/213

    4ـ قوله تعالى {وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين} ووجه الدلالة من الآية أن الله تعالى نهى عن الإسراف في المباحات بمجاوزة الحد في تعاطيها، فمن باب أولى يكون النهي عن صرف المال فيما لا نفع فيه. قال الإمام أبو محمد بن حزم في المحلى: مسألة 1027: السرف حرام وهو:

    • النفقة فيما حرم الله تعالى قَلَّت أو كثرت ولو أنها قدر جزء من جناح بعوضة
    • أو التبذير فيما لا يحتاج إليه ضرورة،مما لا يبقى للمنفق بعده غنى
    • أو إضاعة المال وإن قلَّ برميه عبثاً

    ومتعاطي التمباك قد تناوله كلام الإمام ابن حزم رحمه الله لكونه ينفق فيما حرَّم الله تعالى ويضيع المال بإنفاقه عبثاً في غير فائدة.

    5ـ قوله تعالى {ولا تبذر تبذيراً إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين} وإنفاق المال في التمباك تبذير من حيث كونه إفساداً

    ومن السنة المطهرة:

    1ـ قوله صلى الله عليه وسلم {وأنهاكم عن ثلاث: قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال} رواه البخاري. وإنفاق المال في التمباك إضاعة له لأنه صرف له فيما لا فائدة فيه

    2ـ قوله صلى الله عليه وسلم {لا ضرر ولا ضرار} أخرجه الإمام أحمد وغيره وهو في صحيح الجامع (7517) فثبت أن كل ما غلب ضرره على نفعه فتناولُه حرام، وتناول التمباك موجب للضرر بمتناوله ومن يحيطون به من زوج وعيال وزملاء.

    3ـ روى الإمام أحمد وأبو داود عن أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم {نهى عن كل مسكر ومفتِّر} قال العلماء: المفتِّر: ما يورث الفتور والخدر في الأطراف، وهذا الأثر يحدث لمتعاطي التمباك خاصة في أول أمره

    ومن النظر الصحيح:

    • تناول التمباك يهدم بعض الكليات التي جاءت الشريعة بالمحافظة عليها وهي النفس والمال
    • متناول التمباك يستثقل الصوم جداً؛ لأن فيه حرماناً له من تناوله بعد طلوع الفجر إلى غروب الشمس، فيكون الصوم مكروهاً لديه
    1. ما يصحب هذا الشيء الخبيث من نتن الرائحة المؤذية لمن يحيطون بمن يتناوله

    ثم إن مستقذر يستقبحه الذوق السليم، ويأنف منه الطبع السوي، وأسأل الله أن يتوب على الجميع.

  • الجمع بين نية القضاء والتطوع

    هل يجوز جمع النية بين صيام الأيام البيض من شوال مع الأيام المقضية من شهر رمضان؟

    الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.

    فلا يجوز الجمع بين نية القضاء ونية صيام ست من شوال في عمل واحد؛ وهذه المسألة هي المعروفة عند العلماء بمسألة التشريك ـ أي الجمع بين عبادتين بنية واحدة ـ وخلاصة ما ذكروه أن التشريك يصح في الوسائل أو فيما يتداخل؛ كما لو اغتسل الجنب يوم الجمعة بنية رفع الجنابة وغسل الجمعة معاً، فترتفع جنابته ويحصل له ثواب غسل الجمعة. وكذلك لو كانت إحدى العبادتين مقصودةً لذاتها والأخرى غير مقصودة كما لو دخل داخلٌ المسجد فصلَّى سنة الفجر ونوى معها تحية المسجد، إذ الأخيرة غير مقصودة لذاتها وإنما المقصود شغلُ المكان بالصلاة وقد حصل، بخلاف ما لو كانت العبادتان مقصودتين لذاتهما كمن أراد قضاء سنة الفجر بعد طلوع الشمس ونوى معها سنة الضحى فلا يصح؛ إذ كل واحدة منهما مستقلة عن الأخرى مطلوبة لذاتها، ومثله ما يسأل عنه الناس من الجمع بين الصوم الواجب ـ أداءً أو قضاءً أو نذراً أو كفارةً ـ مع صيام مستحب كصيام ست من شوال إذ كل منهما مقصود لذاته فلا يصح التداخلُ والجمعُ بينهما بنية واحدة. ثم إن الفريضة أهمُّ من النافلة وآكد؛ لقوله تعالى {وما تقرَّب إليَّ عبدي بشيء أحبَّ إلي مما افترضت عليه} ، ولذلك قال كثير من العلماء: إن من جمع بين قضاء رمضان وصيام ست من شوال في عمل واحد فإنه يقع قضاءً عن رمضان فقط. وقال بعضهم ـ ومنهم ابن حزم الظاهري ـ لا يصح عن أحدهما. قال رحمه الله: ومن مزج نية صيام فرض بفرض آخر أو تطوُّع، أو فعل ذلك في صلاة أو زكاة أو حج أو عمرة أو عتق لم يُجْزِه لشيء من ذلك وبطل ذلك العملُ كلُّه، صوماً كان أو صلاة أو زكاة أو حجاً أو عمرة أو عتقاً إلا مزج العمرة بالحج لمن أحرم ومعه الهدي فقط فهو حكمه اللازم له.أ.هـ

    هذا وفي المسألة خلاف يسير حيث ذهب بعض أهل العلم إلى صحة الجمع بين نية القضاء وصيام ست من شوال؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم {إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى} وهذا قد نواهما جميعا، ففي الشرقاوى على التحرير للشيخ زكريا الأنصاري رحمه الله تعالى: ولو صام فيه ـ أي شوال ـ قضاءً عن رمضان أو غيره نذراً أو نفلاً آخر، حصل له ثواب تطوعها، إذ المدار على وجود الصوم في ستة أيام من شوال ـ وإن لم يعلم بها أو صامها عن أحد ـ لكن لا يحصل له الثواب الكامل المترتب على المطلوب إلا بنية صومها عن خصوص الست من شوال، ولا سيما من فاته رمضان؛ لأنه لم يصدق أنه صام رمضان وأتبعه ستاً من شوال.[1]أ.هـ وفي حاشية الخطيب على البيجرمي: قوله : ( وصوم ستة من شوال) أي وجود صوم ستة أيام من شوال وإن لم يعلم، أو صامها عن نذر أو نفل آخر أو قضاء عن رمضان أَو غيره.

    [1] الشرقاوي على التحرير 1/427

  • رضعت من خالتي وأريد الزواج من ابنتها

    هل يجوز لي الزواج من ابنة خالي مع العلم بأنني رضعت من أمها مع ابن خالي، ولكن لا أعلم عدد الرضعات؛ إنهم يقولون لي: هي أكثر من ثلاث مرات، فأريد إفادتي في هذه الفتوى.

    الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.

    فلا يجوز لك الزواج من ابنة خالك هذه ما دمت قد رضعت من أمها، وذلك لعموم قوله تعالى )وأخواتكم من الرضاعة( وقوله صلى الله عليه وسلم {يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب} ولا تُعنِّ نفسك بالبحث عن عدد الرضعات؛ بل ابحث عن زوجة غيرها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم {دع ما يريبك إلى ما لا يريبك} وخروجاً من اختلاف العلماء رحمهم الله حيث يرى بعضهم أن قليل الرضاع وكثيره سواء في إثبات التحريم، والله تعالى أعلم.

  • لم يخرج الزكاة لمدة طويلة

    إنني لم أدفع الزكاة منذ مدة طويلة وعند حسابها الآن وجد أنها مبلغ كبير يوازي نصف ما أملكه في البلد الآن؛ فهل أستطيع إخراجه على دفعات؟ أم يلزمني إخراجه دفعة واحدة؟ وإذا كان الأمر كذلك فهل أستطيع إخراج هذه الزكاة لأولادي حيث إن أباهم لا يستطيع تلبية متطلبات الحياة كلها لهم، وهم يريدون أن يستكملوا دراستهم وبناتي أيضاً هل لي إخراج الزكاة لهم في تعليمهم أو زواجهم؟ أفيدوني أفادكم الله.

    الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.

    فالزكاة فرض من فرائض الإسلام وركن من أركانه العظام، وقد تظاهرت على ذلك أدلة الكتاب والسنة وإجماع الأمة، ومن وجبت عليه الزكاة وقدر على إخراجها لم يجز له تأخيرها؛ لأنه حق يجب صرفه إلى الآدمي توجهت المطالبة بالدفع إليه فلم يجز له التأخير كالوديعة إذا طالب بها صاحبها؛ فهي واجبة على الفور في قول جماهير العلماء؛ حتى قال أهل العلم: إنه لو مات وجب على ورثته إخراجها من ماله قبل قسمة التركة، ولو أتت عليه كله؛ لقوله صلى الله عليه وسلم  “فدين الله أحق أن يقضى” فالواجب عليك ـ والحال ما ذكرت ـ  أن تتوب إلى الله تعالى من تأخيرك حقه جل جلاله في مالك، وأن تبادر إلى إخراج ما وجب عليك في مالك خلال السنوات التي مضت دفعة واحدة، ولو أتى ذلك على مالك كله؛ حذراً من الدخول في الوعيد القرآني {والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم * يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون}

    واعلم أنه لا يجوز دفع الزكاة للولد ـ ذكراً كان أو أنثى ـ وذلك لعلتين: أحداهما أنه غني بنفقته، والثانية أنه بالدفع إليه يجلب إلى نفسه نفعاً، وهو منع وجوب النفقة عليه، والذي أنصحك به أيها الأخ السائل أن تتقي الله في نفسك وأن تعلم أنه لا ينفعك يوم القيامة والد ولا ولد إن منعت حق الله في مالك وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم “ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار فأحمي عليها في نار جهنم فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره كلما بردت أعيدت له في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار” رواه مسلم

  • قيمة فدية الصيام

    والدي لا يستطيع الصوم بسبب مرضه؛ فما مقدار ما يخرج من الفدية؟ وما قيمتها بالنقد؟ وهل يجوز لي أنا ابنه أن أخرجها نيابة عنه؟ وهل يجوز إخراجها مجتمعة لمحتاج واحد فقط؟

    الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.

    أولاً: ليس على والدك حرج في ترك الصيام لكونه مريضاً، وقد قال الله تعالى {لا يكلف الله نفساً إلا وسعهاؤ وقال {يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر} وقال {وما جعل عليكم في الدين من حرج}

    ثانياً: إن كان مرض الوالد يرجى برؤه فالواجب عليه القضاء متى ما زال مرضه؛ لقوله تعالى {فمن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر} أما إذا كان مرضه مزمناً وعرف بإخبار الطبيب الحاذق أنه لا يرجى برؤه أو كان عاجزاً عن الصوم لشيخوخته؛ فالواجب عليه إطعام مسكين عن كل يوم في قول جمهور العلماء ومنهم علي وابن عباس وأبو هريرة وأنس وسعيد بن جبير وطاوس وأبو حنيفة والثوري والأوزاعي وأحمد رحمهم الله، وهو الأصح عند الشافعية؛ لقوله تعالى {وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين} لكل مسكين نصف صاع من غالب قوت أهل البلد، وهو يعادل كيلو وربع تقريباً. استدلالاً بتفسير ابن عباس رضي الله عنهما للآية حيث روى عطاء أنه سمع ابن عباس يقرأ {وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين} فقال {ليست بمنسوخة للشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما فيطعمان مكان كل يوم مسكينا} رواه البخاري. وعنه رضي الله عنه قال {رُخِّصَ للشيخ الكبير أن يفطر ويطعم عن كل يوم مسكيناً، ولا قضاء عليه} رواه الدارقطني والحاكم وصححاه. أما المالكية رحمهم الله فيرون الفدية في  حق الشيخ الكبير مندوبة لا واجبة، وهو قول مكحول وأبي ثور وربيعة وابن المنذر؛ قياساً له على الصبي والمجنون.

    ثالثاً: لا يجزئ إخراج القيمة ـ عند جماهير العلماء ـ بل الواجب إخراج الفدية طعاماً كما هو نص الآية الكريمة {فدية طعام مسكين}

    رابعاً: إذا كان الوالد عاجزاً عن إخراج الفدية فلا شيء عليه؛ لعموم قوله تعالى {لا يكلف الله نفساً إلا وسعها} ولو أخرجتها نيابة عنه فأنت مأجور ـ إن شاء الله ـ على برك إياه

    خامساً: يجزئك إخراجها لمسكين واحد، والأحوط أن تدفع بها إلى ثلاثين مسكيناً؛ اقتداء بفعل السلف رحمهم الله فقد أخرج الدارقطني أن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه ضعف عاماً عن الصوم؛ فصنع جفنة من ثريد فدعا ثلاثين مسكيناً فأشبعهم. والله تعالى أعلم.

زر الذهاب إلى الأعلى