الفتاوى

  • تقبيل واستمناء في نهار رمضان

    السلام عليكم ورحمة الله وبعد: لديَّ سؤالان:

    السؤال الأول: إذا قبَّل شخص زوجته في رمضان تقبيلاً مطولاً من غير أن يخرج منه شيء هل يترتب عليه شيء في هذا؟

    السؤال الثاني: شخص استمنى عمداً في رمضان ماذا يترتب عليه؟

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أما بعد.

    فالواجب على الصائم أن يحتاط لصومه ولا يعرضه لما يجرحه، ولذلك قرر علماؤنا كراهة القبلة والمباشرة لمن كان يملك نفسه ويأمنها ويعلم من حاله السلامة، أي من كان يعرف من حاله أنه لن يخرج منه شيء، ومن كان لا يملك نفسه فإنه تحرم القبلة والمباشرة في حقه؛ لما رواه مالك في الموطأ أنه بلغه أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم كانت إذا ذكرت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبِّل وهو صائم، تقول: وأيكم أملك لنفسه من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال يحيى: قال مالك: قال هشام بن عروة: قال عروة بن الزبير: لم أر القبلة للصائم تدعو إلى خير.

    وأما الاستمناء فقد اعتبرَه أهلُ العلمِ تعدِّياً على حُدُودِ الله، كما ذكر الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله في تفسيرِ قولِ الله عز وجل {والذين هم لفروجِهم حافظون + إلا على أزواجِهم أو ما ملكتْ أيمانُهم فإنهم غيرُ مَلومين + فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون} أنّ هذه الآيات “تدلُّ بِعُمُومِها على مَنْعِ الاستِمناءِ باليد… لأنَّ مَنْ تلَذَّذَ بيدهِ حتى أنزَلَ منِيَّهُ بذلك؛ فقد ابتغَى وراء ما أحلَّهُ اللهُ؛ فهو من العادِين بنصِّ الآيةِ الكريمة”. أضواء البيان في إيضاحِ القرآنِ بالقرآن للشنقيطي 5/316.

    والإثم يتضاعف إذا حصل ذلك في أثناء الصوم المفروض؛ وعليه فإن المطلوب ممن فعل ذلك أن يتوب إلى الله تعالى مما كان، ويقضي مكان ذلك اليوم يوماً، والله الموفق والمستعان.

  • رهن قطعة أرض للبنك

    أنا راهنٌ قطعة أرض للبنك وأريد أن أشتري سيارة مقابل الرهن مع العلم بأن البنك يأخذ فائدة مقابل المعاملة من القيمة الكلية ثم يأخذ مني مقدماً أيضاً فما هو رأي الدين في ذلك؟ وشكرا وعظم الله أجركم..

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.

    فأما الرهن فمشروع بقوله تعالى {وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتباً فرهان مقبوضة} ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتعامل بالرهن، وقد توفي ودرعه مرهونة عند يهودي، وكون البنك يشتري لك سيارة بصيغة بيع المرابحة للآمر بالشراء؛ وترهن له قطعة أرض أو غيرها؛ لضمان الوفاء بما عليك من قيمة السيارة لا حرج فيه؛ ويقيناً لا بد أن يستفيد البنك؛ بمعنى أنه لن يبيع لك السيارة بالثمن الذي اشتراها به، بل لا بد أن يربح من بيعها لك؛ فالمعاملة مشروعة إن شاء الله ولا حرج فيها، والله تعالى أعلم.

  • مس المصحف دون وضوء

    هل يجوز مس المصحف من غير وضوء للتعلم؟

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.

    فالأصل أنه لا يجوز مس المصحف إلا على طهارة كاملة؛ لقوله تعالى {لا يمسه إلا المطهرون} وقول النبي صلى الله عليه وسلم “لا يمس القرآن إلا طاهر” وقد أجاز بعض أهل العلم للمعلم والمتعلم أن يمسا القرآن على غير وضوء؛ وذلك لأجل التخفيف عليهما، ولأن دين الله مبني على اليسر {يريد الله بكم اليسر ولا يربد بكم العسر} والله تعالى أعلم.

  • الحلف بالطلاق

    السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، فضيلة الشيخ د. عبد الحى يوسف.

    سؤالى .. لي ابن أخ ونحن نعيش فى منزل واحد منذ فترة لا تتعدى الأربعة أشهر أصبح يتعاطى حقن مخدرة، وبمجرد علمنا بهذا الحال قلت له بالنص (تخلي الحقن وعليَّ الطلاق بالثلاثة تخلي الحقن ما خليتها أنا بخلي ليك البيت). قال لي أديني خمسة عشر يوما، عدت الأيام المحددة ولم يترك هذا البلاء!

    لكني سمعت أنه تركها بعد هذه الأيام الخمسة عشر .. هل طلاقي واقع إذا رجعت للبيت؟ ومسألة عليَّ الطلاق بالثلاثة هل تحرم عليَّ زوجتي  إذا رجعت للبيت أم تعد طلقة واحدة؟ وبارك الله فيكم

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أما بعد.

    فأنت مخطئ – غفر الله لك – حين حلفت بالطلاق، وقد قال النبي صلى الله عليه وسـلم “من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت” والظاهر من السؤال أن تلك اليمين كان مقصوداً منها منع ابن أخيك من تعاطي ذلك المنكر؛ فإن كان الأمر كذلك فلا يلزمك سوى كفارة يمين حال عودتك إلى البيت؛ وذلك بإطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم؛ فإن عجزت عن الخصلتين فعليك صيام ثلاثة أيام، هذا فيما لو كانت يمينك معلقة على المدة المذكورة وهي الخمسة عشر يوما، أما إذا لم تكن تنوي مدة بل أطلقت اليمين ولم تعيِّن أياماً فلا كفارة عليك، والعلم عند الله تعالى.

  • صيام الدهر

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.

    فقد ذهب كثير من الفقهاء إلى أن متابعة الصيام خلال العام كله مع إفطار الأيام المنهي عن صيامها كيومي العيد وأيام التشريق لا بأس به، وأما حديث عبد الله بن عمرو والذي جاء فيه (أنه كان يسرد الصوم فبَلَغَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنِّي أَسْرُدُ الصَّوْمَ) كما في البخاري، وفي بعضها: (قُلْتُ: إِنِّي أَصُومُ وَلَا أُفْطِرُ) قَالَ: فَقَالَ لِي: (صُمْ وَأَفْطِرْ( كما في مسند أحمد، فقد حمله العلماء على أن النبي -صلى الله عليه وسلم- علم أنه سيضعف عن الصيام، واستدلوا على جواز سرد الصيام بحديث حَمْزَةَ بْنَ عَمْرٍو الْأَسْلَمِيَّ: سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ, إِنِّي رَجُلٌ أَسْرُدُ الصَّوْمَ، أَفَأَصُومُ فِي السَّفَرِ؟ قَالَ: (صُمْ إِنْ شِئْتَ، وَأَفْطِرْ إِنْ شِئْت) رواه الشيخان، قال النووي -رحمه الله تعالى-:

    وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِيهِ؛ فَذَهَبَ أَهْل الظَّاهِر إِلَى مَنْع صِيَام الدَّهْر, نَظَرًا لِظَوَاهِر هَذِهِ الْأَحَادِيث، قَالَ الْقَاضِي وغَيْره: وَذَهَبَ جَمَاهِير الْعُلَمَاء إِلَى جَوَازه إِذَا لَمْ يَصُمْ الْأَيَّام الْمَنْهِيَّ عَنْهَا وَهِيَ الْعِيدَانِ وَالتَّشْرِيق، وَمَذْهَب الشَّافِعِيّ, وَأَصْحَابه: أَنَّ سَرْد الصِّيَام إِذَا أَفْطَرَ الْعِيدَيْنِ وَالتَّشْرِيق لَا كَرَاهَة فِيهِ، بَلْ هُوَ مُسْتَحَبّ بِشَرْطِ أَلَّا يَلْحَقَهُ بِهِ ضَرَرٌ، وَلَا يُفَوِّتَ حَقًّا، فَإِنْ تَضَرَّرَ أَوْ فَوَّتَ حَقًّا فَمَكْرُوه، وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ حَمْزَة بْن عَمْرو، وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم أَنَّهُ قَالَ: “يَا رَسُول اللَّه، إِنِّي أَسْرُدُ الصَّوْمَ، أَفَأَصُومُ فِي السَّفَرِ؟ فَقَالَ: إِنْ شِئْت فَصُمْ”. وَلَفْظ رِوَايَة مُسْلِم: فَأَقَرَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى سَرْد الصِّيَام، وَلَوْ كَانَ مَكْرُوهًا لَمْ يُقِرَّهُ، لَا سِيَّمَا فِي السَّفَر، وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ اِبْن عُمَر بن الْخَطَّاب أَنَّهُ كَانَ يَسْرُد الصِّيَام، وَكَذَلِكَ أَبُو طَلْحَة وَعَائِشَة وَخَلَائِق مِنْ السَّلَف، قَدْ ذَكَرْت مِنْهُمْ جَمَاعَة فِي شَرْح الْمُهَذَّب فِي بَاب صَوْم التَّطَوُّع، وَأَجَابُوا عَنْ حَدِيث: (لَا صَامَ مَنْ صَامَ الْأَبَد) بِأَجْوِبَةٍ: أَحَدهَا: أَنَّهُ مَحْمُول عَلَى حَقِيقَته بِأَنْ يَصُوم مَعَهُ الْعِيدَيْنِ وَالتَّشْرِيق، وَبِهَذَا أَجَابَتْ عَائِشَة -رَضِيَ اللَّه عَنْهَا-. وَالثَّانِي: أَنَّهُ مَحْمُول عَلَى مَنْ تَضَرَّرَ بِهِ أَوْ فَوَّتَ بِهِ حَقًّا، وَيُؤَيِّدهُ أَنَّ النَّهْي كَانَ خِطَابًا لِعَبْدِ اللَّه بْن عَمْرو بْن الْعَاصِ، وَقَدْ ذَكَرَ مُسْلِم عَنْهُ أَنَّهُ عَجَزَ فِي آخِر عُمُرِه، وَنَدِمَ عَلَى كَوْنه لَمْ يَقْبَل الرُّخْصَة، قَالُوا: فَنَهْي اِبْنِ عَمْرٍو كَانَ لِعِلْمِهِ بِأَنَّهُ سَيَعْجِزُ، وَأَقَرَّ حَمْزَة بْن عَمْرو لِعِلْمِهِ بِقُدْرَتِهِ بِلَا ضَرَرٍ. اهــ.

    يقول شيخ الإسلام ابن تيمية – يرحمه الله – في مجموع الفتاوى 2/140 :

    فاستحب ذلك طائفة من الفقهاء والعباد فرأوه أفضل من صوم يوم وفطر يوم، وطائفة أخرى لم يروه أفضل، بل جعلوه سائغًا بلا كراهة، وجعلوا صوم شطر الدهر أفضل منه، وحملوا ما ورد في ترك صوم الدهر على من صام أيام النهي، والقول الثالث: وهو الصواب، قول من جعل ذلك تركًا للأولى أو كره ذلك، فإن الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم كنهيه لـ عبد الله بن عمرو عن ذلك، وقوله” من صام الدهر فلا صام ولا أفطر) وغيرهما صريحة في أن هذا ليس بمشروع.  انتهى

    وقال ابن القيم – يرحمه الله -: تعليقًا على حديث (إن أحب الصيام إلى الله صيام داود، كان يصوم يومًا ويفطر يومًا) وهو نص في أن صوم يوم وفطر يوم أفضل من سرد الصيام، ولو كان سرد الصيام مشروعًا أو مستحبًّا لكان أكثر عملاً، فيكون أفضل إذ العبادة لا تكون إلا راجحة، فلو كان عبادة لم يكن مرجوحًا.  انتهى

    وممن استحب تتابع الصوم من الفقهاء: الشافعية والمالكية قالوا: إن سرد الصوم أفضل من الصوم والفطر إذا لم يضعف بسببه عن شيء من أعمال البر مما هو أولى منه.
    قال النووي في المجموع 6/442 : وحاصل حكمه عندنا أنه إن خاف ضررًا أو فوت حقًّا بصيام الدهر كره له، وإن لم يخف ضررًا ولم يفوت حقًّا لم يكره، هذا هو الصحيح الذي نص عليه الشافعي وقطع به المصنف والجمهور. انتهى

    وممن ثبت عنه سرد الصوم -سوى أيام النهي الخمسة- من الصحابة والسلف عمر بن الخطاب وابنه عبد الله، وأبو طلحة الأنصاري، وأبو أمامة، وامرأته، وعائشة رضي الله عنهم وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم، ذكر ذلك البيهقي عنهم بأسانيده، ومنهم سعيد بن المسيب، وأبو عمرو بن حماس، وسعيد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف التابعي، والأسود بن يزيد رضي الله عنهم؛ فعن عروة أن عائشة رضي الله عنها: كانت تصوم الدهر في السفر والحضر. رواه البيهقي، وقال النووي: إن إسناده صحيح

    وعن أنس قال: كان أبو طلحة لا يصوم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم من أجل الغزو، فلما قبض النبي صلى الله عليه وسلم لم أره مفطرًا إلا يوم الفطر أو الأضحى. رواه البخاري.
    والراجح إن شاء الله تعالى هو أن صوم الدهر لا يكره إذا أفطر أيام النهي ولم يترك فيه حقًّا ولم يخف ضررًا. وقد روى البيهقي بإسناد حسن عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن في الجنة غرفة يرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها، أعدها الله لمن ألان الكلام وأطعم الطعام وتابع الصيام وصلى بالليل والناس نيام) والعلم عند الله تعالى

  • التمباك والسجائر والصلاة في المسجد

    الحمد لله  ملتزم وأصلي الصبح حاضراً في المسجد، ولكني أتعاطى السجائر والتمباك بصورة متقطعة، وكذلك أصلي الأوقات الأخرى في مساجد مختلفة تبعد أو تقرب من المنزل السؤال:

    1/ما حكم تعاطي التمباك أو السجائر في حالتي؟

    2/ما أجر الذهاب للمسجد في سيارة؟ هل مثل أجر الذهاب بالأرجل مع العلم بأن الذهاب بالأرجل أحياناً يكون شاقا؟

    3/ ما أجر الاستماع إلى القرآن عبر الراديو مع العلم بأنني أستمع إليه بكثرة وأكثر من قراءته؟

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.

    فأنت مأجور على ذهابك إلى بيت الله وحرصك على إيقاع الصلاة المفروضة فيه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسـلم “من غدا إلى المسجد أو راح أعد الله له نزلاً في الجنة كلما غدا أو راح” وقال “بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة” وقال “من تطهر في بيته ثم خرج إلى بيت من بيوت الله ليؤدي فريضة من فرائض الله كانت خطوته إحداها ترفعه درجة، والأخرى تحط عنه خطيئة” وفي حديث أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يُكَفِّرُ اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا، وَيَزِيدُ بِهِ فِي الْحَسَنَاتِ؟» قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عِنْدَ الْمَكَارِهِ، وَكَثْرَةُ الْخُطَى إِلَى الْمَسَاجِدِ، وَانْتِظَارُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ» وقال ابن مسعود رضي الله عنه «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَلْقَى اللَّهَ غَدًا مُسْلِمًا، فَلْيُحَافِظْ عَلَى هَؤُلَاءِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ حَيْثُ يُنَادَى بِهِنَّ، فَإِنَّهُنَّ مِنْ سُنَنِ الْهُدَى، وَإِنَّ اللَّهَ شَرَعَ لِنَبِيِّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُنَنَ الْهُدَى، وَلَعَمْرِي، لَوْ أَنَّ كُلَّكُمْ صَلَّى فِي بَيْتِهِ، لَتَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ، وَلَوْ تَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ لَضَلَلْتُمْ، وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إِلَّا مُنَافِقٌ مَعْلُومُ النِّفَاقِ، وَلَقَدْ رَأَيْتُ الرَّجُلَ يُهَادَى بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ حَتَّى يَدْخُلَ فِي الصَّفِّ، وَمَا مِنْ رَجُلٍ يَتَطَهَّرُ، فَيُحْسِنُ الطُّهُورَ، فَيَعْمِدُ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَيُصَلِّي فِيهِ، فَمَا يَخْطُو خَطْوَةً، إِلَّا رَفَعَ اللَّهُ لَهُ بِهَا دَرَجَةً، وَحَطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةً» وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم؛ فأنت يا أخي على خير عظيم ما دمت مواظباً على الصلاة في بيوت الله وأسأل الله لك الثبات.

    أما تعاطي التمباك والسجائر فمما لا يليق بك؛ لأن كلمة العلماء قد اتفقت على تحريم هاتين النبتتين الخبيثتين لما فيهما من الضرر العظيم على صحة الإنسان؛ وقد صدرت بذلك الفتاوى من المجامع الفقهية المعتبرة؛ وذلك مستنبط من الأدلة الشرعية، ومنها:

    1- قول الله تعالى في وصف نبيه محمد صلى الله عليه وسلم {يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحلُّ لهم الطيبات ويحرِّم عليهم الخبائث} والعقلاء متفقون على كون الدخان خبيثاً في شكله وريحه وأثره

    2ـ قوله تعالى {ولا تقتلوا أنفسكم} وقد ثبت ـ طباً ـ أن تناول الدخان سبب لأمراض مستعصية تؤول بصاحبها إلى الموت مثل السرطان وتصلب الشرايين وأمراض القلب؛ وقد ورد في إحصائيات منظمة الصحة العالمية أن التبغ يقتل سنوياً أكثر من أربعة ملايين شخص في العالم؛ فيكون متناوله قد تعاطى سبب هلاكه

    3ـ قوله تعالى {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} قال صاحب المنار رحمه الله تعالى: قال بعضهم: يدخل فيه الإسراف الذي يوقع صاحبه في الفقر المدقع، فهو من قبيل {وكلوا واشربوا ولا تسرفوا} المنار2/213

    4ـ قوله تعالى {وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين} ووجه الدلالة من الآية أن الله تعالى نهى عن الإسراف في المباحات بمجاوزة الحد في تعاطيها، فمن باب أولى يكون النهي عن صرف المال فيما لا نفع فيه. قال الإمام أبو محمد بن حزم في المحلى: مسألة 1027: السرف حرام وهو:

    • النفقة فيما حرم الله تعالى قَلَّت أو كثرت ولو أنها قدر جزء من جناح بعوضة
    • أو التبذير فيما لا يحتاج إليه ضرورة،مما لا يبقى للمنفق بعده غنى
    • أو إضاعة المال وإن قلَّ برميه عبثاً

    ومتعاطي الدخان قد تناوله كلام الإمام ابن حزم رحمه الله لكونه ينفق فيما حرَّم الله تعالى ويضيع المال بإحراقه عبثاً في غير فائدة.

    5ـ قوله تعالى {ولا تبذر تبذيراً إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين} وإنفاق المال في الدخان تبذير من حيث كونه إفساداً

    ومن السنة المطهرة:

    1ـ قوله صلى الله عليه وسلم (وأنهاكم عن ثلاث:قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال) رواه البخاري. وإنفاق المال في الدخان إضاعة له لأنه صرف له فيما لا فائدة فيه

    2ـ قوله صلى الله عليه وسلم (لا ضرر ولا ضرار) أخرجه الإمام أحمد وغيره وهو في صحيح الجامع (7517) فثبت أن كل ما غلب ضرره على نفعه فتناولُه حرام، وتناول الدخان موجب للضرر بمتناوله ومن يحيطون به من زوج وعيال وزملاء.

    3ـ روى الإمام أحمد وأبو داود عن أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى عن كل مسكر ومفتِّر) قال العلماء: المفتِّر: ما يورث الفتور والخدر في الأطراف، وهذا الأثر يحدث لمتعاطي الدخان خاصة في أول أمره

    ومن النظر الصحيح:

    • تناول الدخان يهدم بعض الكليات التي جاءت الشريعة بالمحافظة عليها وهي النفس والمال
    1. شارب الدخان إن فَقَدَه ضاق صدره وكثرت عليه البلابل والأفكار ولا ينشرح صدره إلا بالعودة إلى شربه
    2. شارب الدخان يستثقل الصوم جداً؛ لأنه حرمان له من شربه بعد طلوع الفجر إلى غروب الشمس، فيكون الصوم مكروهاً لديه
    3. ما يصحب هذا الشيء الخبيث من نتن الرائحة المؤذية لمن يحيطون بمن يتناوله

    وأما التمباك فإن الأدلة التي مضى ذكرها تتناوله بالتبع إضافة إلى أنه قد ثبت طباً أن التمباك سبب في الإصابة بسرطان اللثة القاتل كما أنه مستقذر يستقبحه الذوق السليم فلا يجوز تناوله ولا الاتجار فيه ولا الإعانة عليه، والله تعالى أعلم.

    وأما الذهاب إلى المسجد فمن استطاع أن يأتيه ماشياً فذلك أعظم له في الأجر، ومن شقَّ عليه ذلك فلا حرج عليه أن يركب؛ لأن الشريعة جاءت بدفع المشقة عن الناس، وما خُيِّر رسول الله صلى الله عليه وسـلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً؛ وقد كان الصحابة رضي الله عنهم منهم من يأتي إلى المسجد راكباً ومنهم من يأتي ماشياً دون أن ينكر بعضهم على بعض؛ ففي سنن ابن ماجه من حديث أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رضي الله عنه، قَالَ: كَانَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، بَيْتُهُ أَقْصَى بَيْتٍ بِالْمَدِينَةِ، وَكَانَ لَا تُخْطِئُهُ الصَّلَاةُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَتَوَجَّعْتُ لَهُ، فَقُلْتُ: يَا فُلَانُ لَوْ أَنَّكَ اشْتَرَيْتَ حِمَارًا يَقِيكَ الرَّمَضَ، وَيَرْفَعُكَ مِنَ الْوَقَعِ، وَيَقِيكَ هَوَامَّ الْأَرْضِ فَقَالَ: وَاللَّهِ، مَا أُحِبُّ أَنَّ بَيْتِي بِطُنُبِ بَيْتِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَحَمَلْتُ بِهِ حِمْلًا، حَتَّى أَتَيْتُ بَيْتَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، فَدَعَاهُ، فَسَأَلَهُ، فَذَكَرَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، وَذَكَرَ أَنَّهُ يَرْجُو فِي أَثَرِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ لَكَ مَا احْتَسَبْتَ»

    وأما الاستماع إلى القرآن الكريم فأجره كبير وثوابه عظيم، وما زال الصالحون من عباد الله يحرصون على ذلك ويتنافسون فيه؛ قَال الإْمَامُ النَّوَوِيُّ رحمه الله تعالى في كتابه (التبيان في آداب حملة القرآن): اعْلَمْ أَنَّ جَمَاعَاتٍ مِنَ السَّلَفِ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ كَانُوا يَطْلُبُونَ مِنْ أَصْحَابِ الْقِرَاءَةِ بِالأْصْوَاتِ الْحَسَنَةِ أَنْ يَقْرَءُوا وَهُمْ يَسْتَمِعُونَ، وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ، وَهُوَ مِنْ عَادَةِ الأْخْيَارِ الْمُتَعَبِّدِينَ وَعِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، وَهُوَ سُنَّةٌ ثَابِتَةٌ عَنْ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَدْ صَحَّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَال: قَال لِي رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اقْرَأْ عَلَيَّ، فَقُلْتُ: يَا رَسُول اللَّهِ أَقْرَأُ عَلَيْكَ، وَعَلَيْكَ أُنْزِل؟ قَال: نَعَمْ. وَفِي رِوَايَةٍ: إنِّي أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِي فَقَرَأْتُ سُورَةَ النِّسَاءِ حَتَّى أَتَيْتُ عَلَى هَذِهِ الآْيَةِ {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُل أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاَءِ شَهِيدًا} قَال: حَسْبُكَ الآْنَ، فَالْتَفَتُّ إلَيْهِ فَإِذَا عَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ. وَرَوَى الدَّارِمِيُّ وَغَيْرُهُ بِأَسَانِيدِهِمْ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَقُول لأِبِي مُوسَى الأْشْعَرِيِّ: ذَكِّرْنَا رَبَّنَا، فَيَقْرَأُ عِنْدَهُ الْقُرْآنَ. وَالآْثَارُ فِي هَذَا كَثِيرَةٌ مَعْرُوفَةٌ.ا.هـــ والعلم عند الله تعالى.

  • فاتته ركعة من صلاة الكسوف

    سؤالي عن صلاة عن الكسوف والخسوف وعن ما فاتته ركعة من الركعتين في الركعة الأولى؟

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.

    فصفة صلاة الخسوف كما أداها نبينا عليه الصلاة والسلام ركعتان في كل ركعة ركوعان؛ يبدأ الركعة الأولى فيقرأ بعد الفاتحة قراءة طويلة ثم يركع ركوعاً طويلاً، ثم يرفع فيقرأ قراءة طويلة دون الأولى ثم يركع ركوعاً دون الأول، ثم يسجد سجدتين، ويفعل في الركعة الثانية كما صنع في الأولى. والدليل على هذه الصفة ما رواه البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: خسفت الشمس في حياة النبي صلى الله عليه وسلم فخرج إلى المسجد فصف الناس وراءه فكبر فاقترأ رسول الله صلى الله عليه وسلم  قراءة طويلة ثم كبر فركع ركوعاً طويلاً؛ ثم قال: سمع الله لمن حمده فقام ولم يسجد وقرأ قراءة طويلة هي أدنى من القراءة الأولى؛ ثم كبر وركع ركوعاً طويلاً وهو أدنى من الركوع الأول؛ ثم قال: سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد؛ ثم سجد ثم قال في الركعة الآخرة مثل ذلك؛ فاستكمل أربع ركعات في أربع سجدات؛ وانجلت الشمس قبل أن ينصرف؛ ثم قام فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال: هما آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتموهما فافزعوا إلى الصلاة. قال ابن قدامة رحمه الله تعالى:

    ولو صلى صلاة الخسوف ركعتين كصلاة التطوع صح، ولو صلاها بست ركوعات في كل ركعة ثلاث ركوعات صح، فكل ذلك قد وردت به السنة.ا.هـــــــــ

    ومن فاته الركوع الأول من الركعة الأولى فعليه أن يقضي الركعة بعد سلام الإمام كصنيع المسبوق في صلاة الفريضة، والعلم عند الله تعالى.

  • إمام يعاني من الرياء

    حقيقة موضوعي يتعلق بالرياء, فأنا أصلي بالناس أحياناً، ولكن عندما أصلي بالناس لا أخشع وأجتهد حتى لا أخطئ أو أنسى، وأراقب الناس وأنا أتلو؛ وأجتهد أن لا أفعل فلا أستطيع؛ وأخاف من الرياء، فهل أترك إمامة الناس مع أني والحمد لله قد أعطاني الله من القرآن أكثر من عشرين جزءا؟ أفيدوني بارك الله فيكم.

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.

    فأسأل الله تعالى أن يزيدك تقى وهدى وعفافاً وغنى، وإنها لعلامة صحة أن يتهم الإنسان نفسه بالرياء؛ ويجتهد في الخلاص منه، واعلم ـ أخي ـ أن الرياء قَلَّ أن يسلم منه أحد، وقد شكا منه الصحابة رضي الله عنهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأرشدهم إلى الدعاء {اللهم إني أعوذ بك من أشرك بك شيئاً أعلمه، وأستغفرك لما لا أعلمه} وليس الحل في ترك إمامة الناس، بل واصل في الإمامة وجاهد نفسك وشيطانك واستعن بالله ولا تعجز، والله المستعان

  • تجنب الرياء في الأعمال الجماعية

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، متعكم الله بالصحة والعافية سؤالي: عن كيفية تجنب الرياء في الأعمال الجماعية، حيث نويت أن أنفذ برنامجاً جماعياً لرمضان وأخاف أن يكون ذلك باباً لظهور عملي للعلن ودخول الرياء فيه.

    أفيدونا أفادكم الله بلغنا الله وإياكم رمضان ونحن وأنتم في أتم الصحة والعافية وأعاننا على صيامه وقيامه وإياكم وعامة المسلمين..

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وجزيتم خيراً، أما بعد.

    فيا أخي سل الله تعالى أن يرزقك الإخلاص، واعلم – علمني الله وإياك – أن الرياء داء دفين يجب على كل مسلم أن يسعى في تطهير أعماله وأقواله منه، ويكون ذلك بأمور:

    أولها: الإكثار من الدعاء النبوي «اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك شيئاً وأنا أعلم، وأستغفرك لما لا تعلم»

    ثانياً: الحرص على إخفاء عملك ما استطعت إلى ذلك سبيلا؛ فإن كان العمل لا يمكن إخفاؤه من جنس ما ذكرت في سؤالك فاستحضر نية صالحة واجتهد في أن يكون خالصاً لله تعالى

    ثالثاً: استحضر دائماً أن الخلق لا يملكون لك نفعاً ولا ضراً ولا موتاً ولا حياة ولا نشورا، وأن الحسنات والسيئات يجزي بها رب البريات وحده لا شريك له

    رابعاً: ليكن مدح الناس وذمهم عندك سواء؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم حين طرد من الطائف «إن لم يكن بك عليَّ غضب فلا أبالي»

    خامساً: إن شعرت بشيء من رياء فلا تترك العمل بل واصل فيه وسل الله أن يعافيك، والله المستعان وعليه التكلان

  • حكم هدم المسجد لتغيير مكانه

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.

    فمن بنى مسجداً وأذن للناس بالصلاة فيه، خرج من ملكه وصار وقفاً لله تعالى، وليس له الرجوع في ذلك في قول جماهير أهل العلم.

    وليس له هدمه ولا بيعه ولا نقله إلى مكان آخر، إلا إن وجدت مصلحة تعود على الوقف بذلك، كأن يهجر المسجد وتتعطل منافعه، أو يضيق عن أهله فينقل إلى موضع آخر، على ما ذهب إليه بعض أهل العلم.

    قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وأما إبدال المسجد بغيره للمصلحة مع إمكان الانتفاع بالأول: ففيه قولان في مذهب أحمد. واختلف أصحابه في ذلك، لكن الجواز أظهر في نصوصه وأدلته، والقول الآخر ليس عنه به نص صريح…) مجموع الفتاوى جـ 31 ص 21.

    ثم ذكر ما رواه الخلال عن القاسم قال: لما قدم عبد الله بن مسعود رضي الله عنه على بيت المال كان سعد بن مالك قد بنى القصر، واتخذ مسجداً عند أصحاب التمر. قال: فنقب بيت المال، فأخذ الرجل الذي نقبه، فكتب إلى عمر بن الخطاب، فكتب عمر: أن لا تقطع الرجل، وانقل المسجد، واجعل بيت المال في قبلته، فإنه لن يزال في المسجد مصل، فنقله عبد الله، فخط له هذه الخطة. قال صالح: قال أبي (أحمد بن حنبل): يقال إن بيت المال نقب من مسجد الكوفة فحول عبد الله بن مسعود المسجد. فموضع التمارين اليوم في موضع المسجد العتيق.

    قال: وسألت أبي عن رجل بنى مسجداً ثم أراد تحويله إلى موضع آخر؟ قال: إن كان الذي بنى المسجد يرى أن يحوله خوفاً من لصوص، أو يكون موضعه موضع قذر، فلا بأس أن يحوله… سئل أبو عبد الله هل يحول المسجد؟ قال: إذا كان ضيقاً لا يسع أهله فلا بأس أن يجعل إلى موضع أوسع منه… قال: سألت أبي عن مسجد خرب: نرى أن تباع أرضه وتنفق على مسجد آخر أحدثوه؟ قال: إذا لم يكن له جيران، ولم يكن أحد يعمره فلا أرى به بأسا أن يباع وينفق على الآخر.

    قال شيخ الإسلام: ولا ريب أن في كلامه ما يبين جواز إبدال المسجد للمصلحة وإن أمكن الانتفاع به، لكون الانتفاع بالثاني أكمل، ويعود الأول طلقاً

    وإن كان المسجد الأول متسعاً مناسباً لمن حوله، فلا يجوز إخراجه من الوقف بهدم أو بيع، كما لا يجوز إحداث بناء مسجد قريب منه لما في ذلك من تفريق جماعة المسلمين. والله أعلم.

زر الذهاب إلى الأعلى