خطب الجمعة

لا مداهنة في دين الله

خطبة يوم الجمعة 7/7/1426 الموافق 12/8/2005

① ما يفرضه علينا ديننا من معاملة المسالمين لنا من غير المسلمين معاملة حسنة، وأن نفرق في المعاملة بينهم وبين المحاربين الذين يؤذون المسلمين في دينهم، قال تعالى {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين * إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون} وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم في سيرته خير مثال للمسلم العادل الذي ينزل كل إنسان منزلته ويعامله بما يستحق من غير حيف ولا ظلم، وقد توضأ صلى الله عليه وسلم من مزادة مشركة وأكل من طعام يهودية، وعاد الغلام اليهودي لما مرض وتوفي ودرعه مرهونة عند يهودي.

② هذه المعاملة الحسنة لا تعني المداهنة في الدين؛ بأن نعامل غير المسلم وكأنه مؤمن بالله ورسوله، فكل من بلغته رسالة الإسلام ثم لم يؤمن به ولم يقر برسالة محمد صلى الله عليه وسلم، بل أنكر أن يكون محمد صلى الله عليه وسلم رسول الله، أو أن القرآن كلام الله، فإنه لا يحق لنا أن نعامله وكأنه مؤمن بالله ورسوله، ودليل ذلك:

  • ما كان من حال أبي طالب ونزول قوله تعالى فيه {ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم}
  • ما كان من حال المنافقين ونزول قوله تعالى فيهم {ولا تصل على أحد منهم مات أبداً ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون}
  • ما كان من حال أبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام مع أبيه ونزول قوله تعالى {وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه}
  • ما كان من حال نبي الله نوح عليه السلام مع ولده وقوله تعالى له {إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح}
  • قال الله تعالى مخاطباً عباده المؤمنين {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على الإيمان ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون}

③ وقد بلغ الجهل ببعض من ينتسب إلى الإسلام أن يطلق صفة الشهيد على كافر حارب الله ورسوله وسعى في الأرض فساداً سنين عددا، بل بلغ الحال ببعضهم أن يسأل الله له الرحمة، بل وأن يسكنه فسيح جناته مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا!! هل بلغت رقة الدين بهؤلاء إلى هذا الحد؟ أم أنه الجهل واتباع الهوى؟ ولربما قال قائلهم: إن الإسلام دين الرحمة والتسامح فلم تمنعوننا من الدعاء بالرحمة لمن يخالفوننا؟ والجواب بأن أرحم الناس وأرأف الناس وأطيب الناس هو محمد e، ومع ذلك ما استغفر لكافر قط ولا دعا بالرحمة لغير مؤمن، والدليل:

  • قوله في عبد الله بن جدعان: {ليس ذلك بنافعه؛ إنه لم يقل يوماً: رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين} وذلك جواباً على سؤال عائشة رضي الله عنها
  • قوله في حاتم الطائي: إنه كان يحب مكارم الأخلاق ولو كان مسلماً لترحمنا عليه

ولربما قال قائل: إن الله تعالى قد قال )ورحمتي وسعت كل شيء( فلم تحجرون واسعاً؟ والجواب: أن تمام الآية {فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون * الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر} وقد قال سبحانه {إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين * خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون} وقال {إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهباً ولو افتدى به أولئك لهم عذاب أليم وما لهم من ناصرين}

④ إن من المصائب العظيمة أن يضطر المسلم إلى توضيح الواضحات في زمان كثر فيه المتعالمون، وظهر فيه الجهل وقل العلم حتى تكلم في الدين من لا يعلم وبلغ استخفاف بعض الناس به أن ظنوا أن الجنة كلأ مباح لكل من هب ودرج، وأن الله تعالى يسوي بين أوليائه وأعدائه، وقد نفى سبحانه تلك المساواة بقوله {أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار} وقوله {أفمن كان مؤمناً كمن كان فاسقا؟ لا يستوون * أما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم جنات المأوى نزلاً بما كانوا يعملون *وأما الذين فسقوا فمأواهم النار..} وقوله {أفنجعل المسلمين كالمجرمين * مالكم كيف تحكمون * أم لكم كتاب فيه تدرسون}

⑤ إن تمييع الدين والمداهنة فيه لا يحمل غير المسلمين على احترامنا أو الرغبة في ديننا بل يحملهم على احتقارنا؛ لعلمهم أنا غير صادقين فيما نقول؛ وقد بلغهم ذم القرآن إياهم وحكمه عليهم بالكفر والظلم والفسوق، فما بال بعض الناس يزيدوننا وهناً على وهن. إن جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه ضرب لنا المثل حين سئل أمام النجاشي ملك الحبشة وما كان إذ ذاك مسلماً: ما تقولون في المسيح بن مريم؟ قال: نقول كما قال ربنا: هو عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه. ما داهن ولا جامل ولا قال خلاف ما يعلم من دين الإسلام.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى