الفتاوى

  • علاج الوسواس في الطهارة والصلاة

    لي أخت تعاني من الوسوسة في الصلاة والغسل والوضوء، ولقد استمرت معها هذه الوسوسة مدة طويلة، وحتى الآن مارسنا معها العلاج بالقرآن عند بعض الشيوخ، حتى بلغ بها الحال أن تحلف أن تتوضأ مرة واحدة، وأن تكبِّر للصلاة مرة واحدة وقد تكرر هذا الحلف مرات كثيرة ولم تستطع الالتزام، فهل عليها كفارة؟ وماذا عليها أن تفعل مع هذا الوسواس؟

    الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.

    الوسواس داء قديم وعلاجه ميسور لمن يسره الله عليه، ويتمثل العلاج في الإكثار من ذكر الله عز وجل لأن ذكر الله تعالى يرضي الرحمن ويطرد الشيطان؛ خاصة قول {لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير} مائة مرة في الصباح ومثلها في المساء؛ فمن قالها إذا أصبح كان في حرز من الشيطان يومه ذاك حتى يمسي ومن قالها إذا أمسى كان في حرز من الشيطان يومه ذاك حتى يصبح، كما صح في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن العلاج كذلك الإكثار من قراءة آية الكرسي فإنها أشد شيء على الشيطان، ومن العلاج إهمال ذلك الوسواس وعدم الالتفات إليه ومجاهدة النفس على ذلك وقد قال سبحانه {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا} ومن العلاج الحرص على طلب العلم الشرعي بحضور مجالسه والقراءة في كتب أهله؛ فإن عالماً واحداً أشد على الشيطان من ألف عابد؛ هذا مع الإلحاح على الله في الدعاء بأن يعيذك من همزات الشياطين، والله الهادي إلى سواء السبيل

  • سداد القرض الربوي

    عندي بعض الذهب لا أتزين به، وكانت نيتي أن أحج به إن شاء الله، ولكني الآن أحاول بيعه لأعين زوجي في تسديد بعض الديون علماً بأنها ديون ربوية، وقد كانت النية تسديدها قبل الموعد المحدد الذي يدخل فيه الربا، وأحد هذه الديون من ولادتي لابنتي أي أنه دين للمستشفى، والآن إذا انتظرت مع زوجي سوف يأتي دين الولادة الثانية، وهي مبالغ كبيرة سوف تأخذ مدة طويلة للتسديد، فهل يجوز ترك الدين العام دون سداد ولا حرج في ذلك؟

    الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.

    أولاً: الذهب المعد للزينة لا زكاة فيه عند أكثر العلماء؛ لأنه مرصد لاستعمال مباح فأشبه الثياب والأثاث وغيرها من المقتنيات التي لا زكاة فيها.

    ثانياً:  الواجب على المسلم ألا يقترض بالربا، لكنك لما كنت مقيمة ببلاد الكفر ـ أمريكا ـ كانت هذه إحدى سوآت الإقامة فيها، ولعل زوجك كان مضطراً لذلك بحكم أنه في بلاد غريبة ولعله لم يجد من يمد له يد العون، وعلى كل حال فعليه التوبة والاستغفار.

    ثالثاً: عليكم الاجتهاد في تسديد أصل الدين الذي اقترضتموه لعموم قوله تعالى )أوفوا بالعقود( أما الزيادة الربوية فلا يلزمكم تسديدها بل لا يحل لكم ذلك إن استطعتم ألا تفعلوا؛ لعموم قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين * فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون} والعلم عند الله تعالى

  • أقيم مع زوجي في أمريكا

    أقيم مع زوجي في أمريكا، ونحاول الآن الخروج منها نهائياً، ولكن لزوجي التزامات مالية وديون، ويقول: إنه لا يستطيع الخروج قبل تسديدها، فهل أستطيع السفر وحدي مع ابنتي الصغيرة علماً بأني حامل في شهري الرابع وبإمكاني طبياً السفر قبل الشهر السابع؟ وهل يجوز إقامتي في بيت أبي بعيداً عن زوجي؟ علماً بأنني أريد الهروب بديني وابنتي من هذه البلاد حيث نحاول جاهدين الالتزام بتعاليم ربنا وتربية ذريتنا التربية الإسلامية.

    الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.

    أولاً: أنت على صواب فيما ترينه من عدم جواز الإقامة ببلاد الكفر ووجوب الخروج منها لمن استطاع؛ حفظاً للدين وصيانة للذرية من مؤثرات الكفر في تلك البلاد.

    ثانياً: إذا حصل تراض بينك وبين زوجك على سفرك؛ على أن يلحق بكم بعد تحلله من ديونه فلا حرج في ذلك ولو كان دون محرم؛ لأن سفرك بغير محرم مفسدته دون مفسدة بقائك في تلك البلاد الظالم أهلها مع احتمال تعرضك والأولاد للفتنة في الدين، وقد خرجت أم كلثوم بنت عقبة رضي الله عنها من مكة إلى المدينة دون محرم وفيها نزل قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله بإيمانهن} وقد اتفق أهل العلم على أن هذه الحالة مستثناة من عموم قوله صلى الله عليه وسلم {لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر إلا مع محرم} والله تعالى أعلم.

  • حكم الإستئجار من هؤلاء

    أقيم في غير بلاد المسلمين، والحكومة هنا تعطي مواطنيها مساكن مجانية لسكنهم مع عائلاتهم، وبعضهم لا يسكن فيها وإنما يقومون بتأجيرها للغير، وهي في الغالب أقل سعراً في الإيجار من غيرها، فهل يجوز لي أن أستأجر منزلاً من واحد من هؤلاء؟ علماً بأنني في حاجة لسكن وليس لديَّ المبلغ الكافي للإيجار من غيرهم؟

    الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.

    أولاً: عليك أيها السائل أن تترك الإقامة في ديار الكفر والانتقال لديار المسلمين إن استطعت ذلك، ولم تتعلق بك ضرورة في الإقامة بتلك الديار؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم {أنا برئ من كل مسلم يقيم بين المشركين} وبذلك تحفظ دينك من الطعن، ويكتب لك أجر من هاجر ابتغاء مرضاة الله.

    ثانياً: لا حرج عليك في الاستئجار من أولئك القوم ما دامت تلك المساكن قد ملكوا إياها من قبل حكوماتهم، وما دمت لا تملك القدرة على الاستئجار من غيرهم، والله تعالى أعلم.

  • طريقة الذبح غير شرعية

    أنا سوداني مقيم بالمهجر (بلاد غير المسلمين) وأعمل في مجزرة (سلخانة) طبيعة عملي هو تعبئة اللحوم وتغليفها وهي لحوم بقر وماشية لا تحتوي على خنزير، ولكن طريقة الذبح غير شرعية، وسؤالي هو: هل يجوز لي العمل في هذه الوظيفة؟ علماً بأنني لا آكل من هذه اللحوم!!

    الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.

    أولاً: عليك أيها الأخ السوداني المقيم بغير بلاد المسلمين أن تتقي الله في نفسك وأن ترجع إلى بلاد المسلمين ولو كان شظف العيش هو الغالب على حال أهلها، فلا خير في عيش رغيد في ديار كفر لا تأمن فيها على دينك، وشر الناس من استبدل بدينه دنياه، ثم إن هذه الديار التي تقيم بها لا يسلم لك فيها طيب مطعم من جهة شيوع الربا في المعاملات وعدم التمييز في المطاعم بين الحلال والحرام من جنس ما ورد في سؤالك.

    ثانياً: العجب من سؤالك أيها الأخ المسلم وكأنه ما بقي لك إلا أن تأكل من تلك اللحوم التي هي في واقع الأمر ميتة، وقد قال الله تعالى {حرمت عليكم الميتة} وإذا حرَّم الله أكلها فكذلك ثمنها؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم {وإن الله تعالى إذا حرَّم أكل شيء حرَّم ثمنه} وإذا كان ثمنها حراماً؛ فإن هذا التحريم يسري لكل من عاون في ذلك البيع بتعبئة أو تغليف أو تحميل أو نقل أو محاسبة لعموم قوله تعالى {ولا تعاونوا على الإثم والعدوان} فعليك أيها المسلم أن تتوب إلى الله وأن تترك هذه الوظيفة؛ ومن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه.

    ثالثاً: عليك تنبيه المسلمين ممن يقيمون معك في البلاد المسئول عنها لئلا يأكلوا من تلك الميتة وهم يحسبونها مذكاة، وكذلك لو كانت بعض بلاد المسلمين تستورد لحوماً من تلك الدولة فعليك إبلاغهم ما استطعت إلى ذلك سبيلا؛ عملاً بقوله تعالى {وتعاونوا على البر والتقوى} والله تعالى أعلم.

  • أتواصل مع خطيبي عبر الإنترنت

    أسكن في بلد غير التي يسكن فيها خطيبي ولقد تحدثنا عبر الإنترنت حتى نتعرف على بعضنا البعض لأن الظروف لم تتح لنا تعرف كل منا على الآخر بصورة جيدة، مع العلم بأنه شخص ملتزم وأن الأهل على علم بهذا الاتصال، فهل علينا إثم في فعلنا هذا؟

    الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.

    علاقة الخاطب بمخطوبته علاقة أجنبي بأجنبية ما ينبغي أن تتعدى الحدود المشروعة، وهذه الاتصالات التي تتم بعلم من الأهل لا بأس بها، ما دامت الحاجة داعية إليها على أن تتعلق بما هو في حدود التعارف ولا تتجاوز ذلك إلى حديث في الحب والغرام ونحو ذلك مما لا ينبغي أن يكون إلا بين الزوجين، ولا يقولن قائل أنا ملتزم وخطيبتي ملتزمة لأن الشيطان ما يزال بالمرء يزيِّن له الحرام حتى يقع فيه؛ فليحذر كل أمريء من الوقوع في مخالفة الشرع، والعلم عند الله تعالى.

  • الإعتراض على حكم من أحكام الشريعة

    أحب الرسول صلى الله عليه وسلم وأحب سنته، وكنت أطبق صغيرها وكبيرها بكل حب وشغف وأغضب ممن لا يطبقها، ولكن أعاني من آفة ومصيبة عظيمة وهي أن قلبي كان فيه شيء من عدم الرضا عن حكم واحد من الأحكام التي جاء بها النبي صلى الله عليه وسلم، وكان من نعم الله عليَّ أن ابتلاني ببلاء جعلني أعرف الحكمة من هذا الأمر الذي كنت أعترض عليه، وعرفت أنه ليس هناك شيء عبث في هذا الدين، وحمدت الله أن جعل ذلك الحكم في ديننا الحنيف، واستغفرت الله فهل يؤثر ذلك في عقيدتي ويعتبر تعدياً على الرسول صلى الله عليه وسلم ويخرجني من دائرة الإسلام؟

    الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.

    فأسأل الله أن يرزقني وإياك إيماناً صادقاً ويقيناً ليس بعده كفر ورحمة ننال بها شرف كرامته في الدنيا والآخرة، وأنت مأجور إن شاء الله على حبك للسنة وتطبيقك ما استطعت من أحكامها وآدابها، ثم اعلم أيها الأخ الكريم أن شهادة أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم تقتضي تصديقه فيما أخبر وطاعته فيما أمر واجتناب ما نهى عنه وزجر، وفي هذا قول الله جل جلاله {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليما} قال ابن كثير رحمه الله تعالى: يقسم تعالى بنفسه الكريمة المقدسة أنه لا يؤمن أحد حتى يحكم الرسول صلى الله عليه وسلم في جميع الأمور فما حكم به فهو الحق الذي يجب الانقياد له باطناً وظاهراً ولهذا قال {ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما} أي إذا حكَّموك يطيعونك في بواطنهم فلا يجدون في أنفسهم حرجاً مما حكمت به وينقادون له في الظاهر والباطن فيسلمون لذلك تسليماً كلياً من غير ممانعة ولا مدافعة ولا منازعة كما ورد في الحديث {والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لم جئت به} أ.هـ وإذا تعارض عقلك مع حكم مما ورد في الكتاب أو السنة فاتهم عقلك، واعلم أن الوحي معصوم وأن الحال كما قال ربنا {وفوق كل ذي علم عليم} فارجع إلى أهل العلم وسلهم تجد شفاء مما تجد، وما دمت قد رجعت عما كان في نفسك وتبت إلى الله تعالى مما كان فلا حرج عليك وقد قال سبحانه {إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون} والله الهادي إلى سواء السبيل.

  • الاجتماع عند أهل الميت في ثالث أيام العزاء

    إذا مات شخص عندنا في غانا نجتمع في بيت الميت غالباً يكون يوم الجمعة عقب صلاة الجمعة جماعة فنعزي أهل الميت ويذكِّر العلماء عندنا الناس وتجمع التبرعات من قبل الحاضرين ثم يقدَّم هذا المبلغ لأهل الميت تسلية لهم، وخصصنا يوم الجمعة لأجل أن نجد جماعة وحتى يكثر هذا التبرع، وحتى نخالف ما عليه الناس حيث يخصصون يوم الثالث والأسبوع، وحتى نخالف أيضاً الذين يأخذون من أهل الميت. أفيدوني جزاكم الله خيرا.

    الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.

    فإن سنة النبي صلى الله عليه وسلم قاضية بأن يصنع الناس لأهل الميت طعاماً لأنهم مشغولون بمصيبتهم وقد نزل بهم الحزن لفراق ميتهم؛ فصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال حين أتاه نعي جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه {اصنعوا لآل جعفر طعاماً فإنه قد أتاهم أمر يشغلهم} رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه قال ابن الهمام في فتح القدير: يستحب لجيران أهل الميت والأقرباء الأباعد تهيئة طعام لهم يشبعهم ليلتهم ويومهم، ويكره اتخاذ الضيافة من أهل الميت لأنه شرع في السرور لا في الشرور وهي بدعة مستقبحة.أ.هـ ويؤيد ذلك حديث جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه {كنا نرى الاجتماع إلى أهل الميت وصنعة الطعام من النياحة} رواه ابن ماجه وبوَّب له: باب ما جاء في النهي عن الاجتماع إلى أهل الميت وصنعة الطعام.

    وما يفعله أهل بلدكم من تخصيص اليوم الثالث أو السابع من الوفاة للاجتماع إلى أهل الميت مخالف للسنة وعلى غير هدي السلف الأبرار، وكذلك ما يعمد إليه البعض من أخذ المال من أهل الميت، والواجب نهيهم عن ذلك وتذكيرهم بما كان عليه أهل القرون المفضلة. وفعلكم من جمع التبرعات وتقديمها لأهل الميت خير من فعل أولئك وأهدى سبيلا، وإن كان الأفضل التقيد بالسنة في صنع الطعام لأهل الميت ومواساتهم خلال الأيام الثلاثة التي تعقب الوفاة، والعلم عند الله تعالى.

  • حكم التعامل في شهادات الإدخار

    نسأل بخصوص التعامل مع البنوك بواسطة شهادات الادخار قبل فترة، أدخلت مبلغاً من المال كشهادات بدون رسوم، ولي الحق في سحب المبلغ في أي وقت أريد وبدون رسوم، وهذا البنك يعمل سحوبات شهرية على جميع الشهادات، ويكون فيها مجموعة من الرابحين، أفيدونا هل في هذا ربا؟

    الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.

    فإذا كان البنك المسئول عنه ربوياً فلا يجوز التعامل معه لا بشهادات الادخار ولا غيرها ولا يجوز الانتفاع بالأرباح التي يجري السحب عليها؛ لعموم قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله} وقوله صلى الله عليه وسلم {لعن الله آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه}

  • ترميم الكنائس في بلاد المسلمين

    هل يجوز للبلد المسلم أن يقوم بترميم كنائس أهل الكتاب في نفس البلد؟ خاصة إذا كانت هناك مصالح تتحقق من ذلك كمنع الدعم الخارجي!! أو يحقق مصلحة لتصحيح الصورة المفهومة خطأ عن الدين الإسلامي!!

    الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.

    فالذي قرره علماء الإسلام أن لأهل الكتاب ـ في دار الإسلام ـ أن يرمموا ما تهدم من كنائسهم التي صولحوا عليها؛ وليس لهم أن يستحدثوا بناء لكنيسة جديدة؛ قال ابن قدامة في المغني: ولهم رم ما تشعث منها، وإصلاحها؛ لأن المنع من ذلك يفضي إلى خرابها وذهابها، فجرى مجرى هدمها. وإن وقعت كلها،  لم يجز بناؤها. وهو قول بعض أصحاب الشافعي. وعن أحمد أنه يجوز. وهو قول أبي حنيفة والشافعي؛  لأنه بناء لما استهدم فأشبه بناء بعضها إذا انهدم ورم شعثها، ولأن استدامتها جائزة وبناؤها كاستدامتها. وحمل الخلال قول أحمد: لهم أن يبنوا ما انهدم منها. أي إذا انهدم بعضها، ومنعه من بناء ما انهدم، على ما إذا انهدمت كلها، فجمع بين الروايتين. ولنا: أن في كتاب أهل الجزيرة لعياض بن غنم: ولا نجدد ما خرب من كنائسنا. وروى كثير بن مرة قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { لا تبنى الكنيسة في الإسلام ولا يجدد ما خرب منها}. ولأن هذا بناء كنيسة في دار الإسلام فلم يجز، كما لو ابتدئ بناؤها. وفارق رم شعثها؛ فإنه إبقاء واستدامة، وهذا إحداث.ا.هــــ وقال المارودي في الأحكام السلطانية: ويجوز أن يبنوا ما استهدم من بيعهم وكنائسهم العتيقة.ا.هـــ وقال السرخسي: في شرح السير الكبير: فإن انهدمت كنيسة من كنائسهم القديمة فلهم أن يبنوها كما كانت، لأن حقهم في هذه البقعة قد كان مقرراً لما كانوا أعدوه له؛ فلا يتغير ذلك بانهدام البناء، فإذا بنوه كما كان فالبناء الثاني مثل الأول.ا.هـــ

    والأصل أنه لا يجوز للمسلمين ـ آحاداً ولا دولاً ـ أن يساهموا في مثل هذا البناء أو الترميم؛ لأنه تعاون على الإثم والعدوان؛ إذ الكنيسة ليست بدار توحيد بل هي دار شرك وكفر بالله جل جلاله، ومعصية له سبحانه، لكن لو قدر الحاكم أن مفسدة المشاركة في مثل هذا تدفع بها مفسدة أعظم من جلب الكفار على المسلمين بخيلهم ورجلهم؛ فإن هذا يكون داخلاً في قوله تعالى {إلا أن تتقوا منهم تقاة} وهي ضرورة تقدر بقدرها، والله تعالى أعلم.

زر الذهاب إلى الأعلى