الفتاوى

  • هل هذه رشوة؟

    السلام عليكم يا شيخ. أنا أعمل في شركة ولدينا بعض العملاء المعتمدين نسبة لترددهم الدائم علي الشركة، ولاستفادة الشركة من معاملاتهم أحياناً نضع لهم بعض الاعتبار. أحد هؤلاء العملاء لديه محل تجاري، عندما ذهبت إليه لشراء بعض الأغراض خفض لي ثمن المشتريات تخفيض كبير، فهل يعتبر هذا التخفيض من قبيل الرشوة؟ السؤال الثاني: عميل آخر في نفس مرتبة الأول؛ أجنبي الجنسية، أتى لنا ببعض الحلوى والمشروبات الغازية في المكتب، وقال: هذه حلاوة؛ عملت الإقامة، هل تعتبر رشوة أيضا؟ أنا أعلم أن هدايا العمال في مكان العمل تعتبر رشوة، هل يدخل الطعام والشراب في ذلك؟ أرجو الإجابة بالتفصيل لأن الوضع حساس وجزاكم الله عنا كل الخير.

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أما بعد.

    فإن العرف قد جرى بمثل ما ذكرت في الشق الثاني من سؤالك؛ فمن تجددت له نعمة – من مولود أو زواج أو سيارة – فإنه يأتي لزملائه في العمل أو معارفه ببعض الحلوى والمشروبات، ولربما جاءهم بوجبة كاملة من طعام، ولا يحمل ذلك على أنه رشوة؛ بل هو من البذل المعروف الذي تواضع عليه الناس، وأما التخفيض الكبير الذي حصل من صاحب المحل التجاري فما جرت به عادة الناس، بل الظاهر أنه رجاء نفعك أو خوف ضرك؛ لكونك تشغل منصباً في تلك الشركة؛ فهي من قبيل الرشوة التي لا يحل لك أخذها، والله تعالى أعلم.

  • مذهب الأشاعرة في العقيدة

    ما موقف علمائنا في السودان من مذهب الأشاعرة في العقيدة متقدمهم ومتأخرهم، مع الإشارة إلى أن كثيراً من علماء الأمة من أمثال البيهقي وابن حجر وغيرهم كانوا أشاعرة، وهل يجوز بحال إخراجهم من جماعة أهل السنة؟

    الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.

    فالأشاعرة معدودون في طوائف أهل السنة، وقد كانت لعلمائهم جهود مشكورة في الرد على طوائف المبتدعة من المعتزلة والجهمية وغيرهم، وما وقعوا فيه من تأويل بعض الصفات فإنما أرادوا بذلك تنزيه الرب جل جلاله عن صفات المخلوقين، ولذلك جماع القول أن نقول: التأويل مذهب خاطئ يُلتَمس العذر لصاحبه، وندعو لهم بالمغفرة والرحمة، والله تعالى أعلم.

  • الاختلاف بين الجماعات السلفية

    أنا في حيرة من أمري؛ أولاً أنا أتصفح المواقع الإسلامية في الانترنت، وأجد اختلافاً شديداً بين كل جماعة وأخرى؛ فالسلفيون مختلفون في بعضهم سروريون- بلاغيون وغيرهم، وتجد المقالات في فضح محمد سرور ومحمد عبد الوهاب وابن باز وسيد قطب ومحمد حسان وعمرو خالد، وكل من نثق فيهم تجد من يذمهم؛ أفتوني ماذا أفعل حيال هذا الوضع؟ والله تشككت في كل واحد فيهم مع أن مصادرهم واحدة!!

    الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.

    فإني أنصحك ـ أخي في الله ـ بأن تدعو ربك جل جلاله بما كانوا يدعو به النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم {اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة،، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك؛ إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم} وأكثر من الدعاء الشريف {يا مقلِّب القلوب ثبِّت قلبي على دينك} {اللهم اجعلني لك ذكاراً، لك شكاراً، لك مطواعاً، لك مخبتاً، إليك أواهاً منيبا، اللهم تقبل توبتي، واغسل حوبتي، وأجب دعوتي، وثبت حجتي، واهد قلبي، واسلل سخيمة صدري}

    ثم اعلم ـ أخي ـ أن عامة من ذكرت على خير وهدى وبر وإحسان، وقد نفع الله بهم من شاء من خلقه؛ حيث شاع علمهم، وذاع فضلهم، وأجرى الله ألسنة الناس بالثناء عليهم {فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا} وليسوا هم سواء بل بعضهم أفضل من بعض علماً أو عملاً، وما هم بالمعصومين، بل كلٌ يخطئ ويصيب، لكن من غلب صوابه على خطئه ظننا به خيراً، ودعونا له بالمعافاة، وناصحناه فيما أخطأ فيه، وإن كان ممن نزل بهم الموت نبهنا على ما وقع فيه من خطأ من غير تشهير ولا تجريح ولا هضم لفضله، هذا هو مسلك المنصفين الطيبين، وهذا الذي كان عليه سلف الأمة الأبرار.

    أما إدمان الوقيعة في أهل العلم والدعوة والتشهير بهم فهو مسلك نابتة السوء ممن سلم منهم اليهود والنصارى، ولم يسلم منهم أهل الخير والدعوة والجهاد، فشهَّروا بهم وسلقوهم بألسنة حداد أشحة على الخير، نعوذ بالله من الهوى والضلال، فيا أخي الكريم: انتفع بمن ذكرت وبغيرهم من أهل العلم والفضل، وسل الله أن يهديك صراطاً مستقيماً، ولا تسمع لأولئك ممن يسوءهم اجتماع الناس على الهدى، ولا يرون إلا من منظار أسود، يبرز المساوئ ويضخمها ويستر المحاسن ويهضمها؛ فهم كما قال الأول:

    صم إذا سمعوا خيراً ذكرت به              وإن ذكرت بسوء عندهم أذنوا

    نسأل الله أن يجمع المسلمين على الحق، وأن يؤلف بين قلوبهم، وأن يصلح ذات بينهم، والله تعالى أعلم.

  • الصلاة على النبي أثناء الخطبة

    سمعت من أحد الشيوخ أنه لا تجوز الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم إذا ذكر الإمام اسمه أثناء الخطبة. فما صحة ذلك؟

    الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.

    فالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم مطلوبة متى ما ذكر اسمه الشريف صلوات ربي وسلامه عليه، لقوله صلى الله عليه وسلم {رغم أنف امرئ ذُكرتُ عنده فلم يصل عليَّ} لكن في أثناء الخطبة يصلَّى عليه سراً كما قرر علماؤنا المالكية رحمهم الله؛ لأن للخطبة خصوصية ليست لغيرها، والله تعالى أعلم.

  • أسماء النبي صلى الله عليه وسلم

    ما هي أسماء النبي عليه الصلاة والسلام غير محمد وأحمد ومحمود؟ فأنا أرغب بتسمية ابني بأحد أسماء النبي عليه الصلاة والسلام، وقد اتضح لي أن بعض ما كنا نعتقده أسماء إنما هي صفات أو أنها حروف لا يجوز التسمي بها مثل يس وطه، علماً بأنه يتعذر علي أن أسمي محمد أو أحمد.

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.

    فقد روى البخاري ومسلم من حديث جبير بن مطعم رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “لي خمسة أسماء: أنا محمد، وأحمد، وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي، وأنا العاقب” فهذه خمسة أسماء ثابتة في الصحيحين، قال ابن القيم رحمه الله: وأسماؤه صلى الله عليه وسلم نوعان:

    أحدهما: خاص لا يشاركه فيه غيره من الرسل، كمحمد وأحمد والعاقب والحاشر والمقفي ونبي الملحمة.

    والثاني: ما يشاركه في معناه غيره من الرسل، ولكن له منه كمالُهُ، فهو مختص بكمالِهِ دون أصله، كرسول الله ونبيه وعبده والشاهد والمبشر والنذير ونبي الرحمة ونبي التوبة.

    وأما إن جُعل له من كل وصف من أوصافه اسم تجاوزت أسماؤه المائتين، كالصادق والمصدوق والرؤوف الرحيم إلى أمثال ذلك، وفي هذا قال من قال من الناس: إن لله ألف اسم، وللنبي صلى الله عليه وسلم ألف اسم، قاله أبو الخطاب ابن دحية، ومقصوده الأوصاف.

    وعليه فيمكنك أن تسمي ولدك الماحي أو العاقب أو البشير أو النذير، والله الموفق والمستعان.

  • التوفيق بين حق الأم وحق الزوجة

    كيف التوفيق بين حق الأم والزوجة؛ خاصة إذا كان الابن يسكن مع الأم وينفق عليها؟

    الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.

    فحق الأم مقدم على حق الزوجة بل هو آكد الحقوق بعد حق الله تعالى؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم {أمك ثم أمك ثم أمك ثم أباك ثم أدناك أدناك} والواجب على الزوج أن يراقب الله عز وجل في بر أمه والقيام بحقها والإحسان إليها؛ لأن برها باب عظيم من أبواب الجنة؛ كما أن على الزوجة أن تعين زوجها على ذلك، ولا تجعل من نفسها نداً لأمه، بل تعامل الله تعالى فيها وتنزلها منزلة أمها؛ فإن فعلت ذلك جزاها الله بزوجات لأبنائها يصنعن الشيء نفسه معها؛ إذ البر سلف.

    هذا ولا يعني بر الأم أن تطاع في كل شيء حتى لو طلبت من ابنها أن يسيء معاملة زوجته أو يطلقها لغير سبب ونحو ذلك مما تعمد إليه بعض الأمهات اللائي لا يتقين الله تعالى، كما أن عليه القيام بحق زوجته في النفقة عليها والإحسان إليها ومعاشرتها بالمعروف، والله الموفق والمستعان.

  • مكالمة أعقبها خروج مذي

    شابة مرتبطة بشاب، أحياناً يتصل بها بالتلفون في النهار وتكون المكالمة عادية وقصيرة جدا لكنها تجد مذياً علماً؛ بأنها أصلاً تعاني هذه المشكلة في حالات كثيرة

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.

    فمن خرج منه المذي وجب عليه أن يغسل المحل ويتوضأ؛ لأن خروج المذي من نواقض الوضوء، ولو أصاب شيئاً من الثياب وجب غسل ما أصابه منها؛ لأن المذي نجس، ولا بد من تنبيه الأخت إلى وجوب اجتناب مواطن الفتن وأسبابها، وعليها أن تجتهد في غض بصرها وتعلم أن الخاطب ليس إلا أجنبياً عنها لا يحل لها أن تتكلم معه بما يتكلم به الزوجان مع بعضهما، والله الموفق والمستعان.

  • قراءة القرآن من غير وضوء

    هل يلزمنى أن أكون على وضوء عند تلاوة القرآن؟

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.

    فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ القرآن على كل أحواله، وما كان يمنعه من القرآن شيء إلا الجنابة، وعليه فلا حرج عليك أن تقرأ القرآن على غير وضوء؛ لكن من غير مس للمصحف؛ لأن مس المصحف شرطه الطهارة، والله تعالى أعلم.

  • الدراسة أم الزواج

    باختصار أهلي يحمسونني للماجستير وأنا متحمس للزواج، فأيهما أولى بالتقديم؟ وجزاكم الله خيراً

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.

    فخير لك أن تكمل نصف دينك؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم “إذا تزوج العبد فقد استكمل نصف الدين فليتق الله في النصف الباقي” رواه البيهقي في شُعَب الإيمان من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، ولأن في الزواج إعفافاً للنفس وصيانة للعرض؛ كما قال صلى الله عليه وسلم “يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج” رواه الشيخان من حديث ابن مسعود رضي الله عنه، خاصة وأن الزمان الذي نعيش فيه زمان فتنة من حيث تيسر أسباب الفساد، وسهولة تناوله، نسأل الله السلامة والعافية. ولا مانع بعد زواجك إن شاء الله من أن تحقق رغبة أهلك في إكمال دراستك والتفوق فيها وإدخال السرور عليهم، والله الموفق والمستعان.

  • ضرب الزوجة

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.

    وقد كان واجباً على هذا الكاتب – غفر الله له – أن يأتي بالروايات كاملة غير منقوصة من أجل أن يخرج بنظرة صحيحة؛ فإن من آداب البحث جمع النصوص الواردة في الموضوع الواحد والمقارنة بينها حتى يتضح المراد، أما الاجتزاء والابتسار فليس من شيم أهل الأمانة العلمية، ثم إن على العبد أن يتواضع قبل أن يحكم بتخطئة علماء الأمة الأثبات وفقهائها الذين تلقت الأمة أقوالهم بالقبول؛ ولبيان ذلك أقول:

    رواية الإمام أبي داود رحمه الله (باب في ضرب النساء) وكذلك في مسند الشافعي باب الإذن في ضرب النساء؛ قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلم: (لا تَضرِبُوا إماءَ الله) فجاء عُمَرُ إلى رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلم فقال: ذَئِرنَ النِّساء على أزواجِهِنَّ، فرخَّص في ضربهِنَّ، فأطافَ بآل رسول الله صلَّى الله عليه وسلم نساءٌ كثير يشكونَ أزواجَهُنَّ، فقال النبي صلَّى الله عليه وسلم : (لَقَد طَافَ بآل محمدِ نساءٌ كثير يشكونَ أزواجَهُنَّ، لَيسَ أولئك بخيارِكُم) فالصحابة رضوان الله عليهم – وهم أهل اللسان العربي المبين وهم من عاصروا التنزيل – فهموا الضرب بمعنى العقوبة.

    ولذلك لم يختلف أهل العلم في مشروعية ضرب الزوجة وفق الضوابط التي بينتها الشريعة الغراء في سببه وكميته وكيفيته وغايته؛ فتأويل الكاتب مخالف لإجماع أهل العلم المتبوعين، هذه واحدة. فاشترط الفقهاء في ضرب التأديب المشروع إن نشزت الزوجة: أن يكون الضرب غير مدم ولا مبرح ولا شائن ولا مخوف، وهو الذي لا يكسر عظماً ولا يبضع لحماً ولا يسيل دماً ولا يشين جارحة، كاللكزة ونحوها لأن المقصود منه الصلاح لا غير، وقالوا: الضرب المبرح هو ما يعظم ألمه عرفا، أو ما يخشى منه تلف نفس أو عضو، أو ما يورث شيئاً فاحشاً، أو الشديد، أو المؤثر الشاق.
    ثم إن القرآن الكريم لا تؤخذ ألفاظه مجردة عن سياقها، ولا مستقلة عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم، بل خير ما يفسِّر القرآنَ القرآنُ، ثم سنة النبي عليه الصلاة والسلام، وقد قال سبحانه {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نُزّل إليهم ولعلهم يتفكرون} وقال سبحانه {وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه وهدى ورحمة لقوم يؤمنون} ومن أبرز سمات أهل الباطل أنهم لا يعبئون بالسنة كثيرا ولا يلتفتون إليها؛ لأنها القاضية على أهوائهم الفاضحة لمراميهم، والمانعة لاتباعهم المتشابه من القرآن.

    وقد ثبت في السنة القولية والعملية أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن في ضرب النساء؛ حيث خطب صلى الله عليه وسلم تلك الخطبة العظيمة يوم عرفة في مشهد مهيب بين في خطبته تلك حقوق الإنسان وأصول الحلال والحرام، وكان مما قاله عليه الصلاة والسلام (اتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولكم عليهن ألا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غير مبرح) رواه مسلم.

    وأما قول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها (ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً بيده قط ولا امرأة ولا خادماً إلا أن يجاهد في سبيل الله) فهو دليل على الكمال النبوي؛ لكنه لا ينفي مشروعية الضرب المنضبط بضوابط الشرع، ولذلك قال الإمام النووي رحمه الله تعالى: فِيهِ أَنَّ ضَرْبَ الزَّوْجَة وَالْخَادِم وَالدَّابَّة وَإِنْ كَانَ مُبَاحًا لِلْأَدَبِ فَتَرْكُهُ أَفْضَلُ. اهـ.

    وقد ثبت من حديث عائشة رضي الله عنها كذلك ما يفهم منه أن قولها (ما ضرب شيئاً بيده قط) أنه محمول على الغالب، لكن قد يقع خلاف ذلك استثناء؛ فقد روى مسلم في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: لما كانت ليلتي التي كان النبي صلى الله عليه وسلم فيها عندي انقلب فوضع رداءه، وخلع نعليه فوضعهما عند رجليه، وبسط طرف إزاره على فراشه فاضطجع، فلم يلبث إلا ريثما ظن أن قد رقدت؛ فأخذ رداءه رويداً وانتعل رويداً وفتح الباب فخرج ثم أجافه رويدا، فجعلت درعي في رأسي واختمرت وتقنعت إزاري ثم انطلقت على إثره حتى جاء البقيع فقام فأطال القيام، ثم رفع يديه ثلاث مرات ثم انحرف فانحرفت، فأسرع فأسرعت، فهرول فهرولت، فأحضر فأحضرت فسبقته فدخلت فليس إلا أن اضطجعت فدخل، فقال: ما لك يا عائش حشيا رابية؟ قالت: قلت: لا شيء، قال: لتخبريني أو ليخبرني اللطيف الخبير، قالت: قلت: يا رسول الله بأبي أنت وأمي فأخبرته قال: فأنت السواد الذي رأيت أمامي؟ قلت: نعم، فلهدني في صدري لهدة أوجعتني ثم قال أظننت أن يحيف الله عليك ورسوله. رواه مسلم. واللَّهْدُ: الدَّفْع الشَّدِيدُ فِي الصَّدر ـ كما قال ابن الأثير في النهاية. فهذا فيه استعمال النبي صلى الله عليه وسلم ليده استعمالا موجعا مع أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها.

    وخلاصة القول في ذلك أن الأصل المعاشرة بالمعروف من الزوجين جميعا، وأن يتحمل كلاهما ما يكون من أذى عملاً بقول ربنا جل جلاله {ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة} ولو احتاج الرجل إلى ضرب الزوجة تأديباً إن لم ينفع الوعظ ولا الهجر فلا جناح عليه في ذلك، شريطة التقيد بالضوابط الشرعية التي مضى ذكرها، والله الموفق والمستعان.

زر الذهاب إلى الأعلى